ابراهيم سلطان الفردى يكتب نحو خطاب أخلاقي
شديد الرقى يجمع بين أصالتنا وقيمنا وهويتنا ويستدعى سماحة ووسطية هذا المجتمع.. ويواكب حالة التطور بعيداً عن الابتذال والتدني والتشدد والتعصب والانتهازية.. نحتاج ميثاقاً ومنظومة قيمية يشارك فيها الجميع فناً وإعلاماً وثقافة وعلوماً نفسية وسلوكية وتربوية وتعليمية ودينية لتكون دستوراً أخلاقياً لـ «الجمهورية الجديدة»نحو خطاب أخلاقي لابد أن نتوقف أمام بعض الظواهر السلبية والسلوكيات الدخيلة على المجتمع المصري بالرصد والتحليل والوقوف على أسبابها ووضع الرؤى للتعامل معها.. وكيف نعيد إلى المجتمع المصري رونقه وإيقاعه الأخلاقي ونعيد ترميم منظومة القيم التى تشكل جوهر الهوية المصرية.وقائع وأحداث وجرائم ومشاهد مؤسفة نتابعها ونستنكرها بشدة ولسان حالنا «إيه إللى جرالنا.. هو فى إيه».. بطبيعة الحال هناك أسباب كثيرة لهذه المشاهد والجرائم والسلوكيات المؤسفة.. ليس من الصواب أن نضع رءوسنا فى التراب.. ولكن الأفضل أن نصل إلى أسباب هذه السلوكيات الغريبة والانحدار الأخلاقي لدى البعض.الأسباب التى يطرحها الخبراء والكتاب كثيرة ومتعددة وتعود إلى عقود ماضية وأن ما يحدث هو نتيجة طبيعية للثقافة الاستهلاكية.. وإهمال البناء الأخلاقي.. وغياب القدوة خلال عقود مضت تركت الدولة فيها فراغات كثيرة ليتحرك فيها الانتهازيون والفاسدون والمتطرفون والمتشددون.. ولم تدرك خطورة عدم التصدي.. ولم تتحل بالرؤية الثاقبة لشغل هذه الفراغات وتلبية احتياجات الناس فوقعوا فريسة لجماعات الضلال وتزييف الوعى والانتهازية والاستقطاب الموظف لصالح أهداف سياسية خبيثة لم تكن مصلحة الوطن هدفاً لها بل الخيانة فى أحقر أشكالها.ربما نرجع أسباب ما يحدث من جرائم وتراجع لمنظومة القيم والأخلاق إلى التطور التكنولوجي فى وسائل الاتصال وإلى وجود جميع الثقافات الغريبة والشاذة التى لا تمت بصلة لقواعد ومبادئ وقيم المجتمع المصري.. هناك من أرجع ذلك إلى حالة الاستهداف التى تسعى للنيل من مصر بغزو واحتلال ثقافي وسموم يستند إلى حروب الجيل الرابع التى تتضمن أنواعاً ووسائل مختلفة للهدم.. ثم هناك من يرجع ما نشاهده ونراه إلى انتشار المخدرات مثل «الشابو» وغيرها من أنواع التغييب العقلي والتي تتسبب فى إصابة الإنسان بلوثة عقلية وجنوح مفرط إلى العنف والتشفي وارتكاب جرائم غريبة مثل حادث الإسماعيلية المأساوي.البعض الآخر يرجع حالة العنف والجرائم الغريبة والسلوكيات الشاذة إلى حالة الفراغ الديني خلال العقود الماضية.. فقد استشرت سموم الإخوان المجرمين فى خداع الناس والمتاجرة بعواطفهم وقدموا نموذجاً مسخاً للدين وخلطوا الدين بالسياسة ورسخوا الانتهازية والبراجماتية فى أحقر صورها.. وخلقوا فجوة عميقة بين الناس ومجتمعاتهم وأصبح الناس أكثر سخطاً وحنقاً وإيجاد حالة احتقان بين الناس والسلطة من خلال أقذر عملية تأليب وفتنة وأصبح العنف والقتل والسحل والتنكيل أمراً مشروعاً فى عهود الظلام الإخوانية.الإخوان المجرمون لم يعلموا الناس صحيح الدين.. بل علموهم الكذب والخداع والخيانة ونصبوا أنفسهم أوصياء على الدين.. فحرموا كل شيء.. واستباحوا أيضاً كل شيء تحت شعارات دينية.. ورسخوا مفهوم الازدواجية على سبيل المثال.. « الكذب الحلال أو القتل الشرعي أو جهاد النكاح».. وسرقة أموال الدولة واستهدافها بالحرق والتدمير والتفجير.. حتى ورثنا أجيالاً تاهت فى ظلمات الإخوان وأفكارهم المسمومة.. أو حدوث صدمة عنيفة لدى البعض منهم بسبب اكتشافهم المتأخر لحقيقة الإخوان المجرمين الذين يتشدقون ويتاجرون بالدين.. وفى نفس الوقت يخونون.. ويقتلون.. ويكذبون.. ويسرقون.. ويزنون.. كل ذلك خلق سلوكيات خطيرة فقد استشرى الفيروس والسرطان الإخوانى فى وقت من الأوقات فى الجسد المصري حتى جاء عام الإخوان الأسود.فاكتشف المصريون حقيقتهم وأنهم جماعة من الخونة والمتحالفين مع أعداء الوطن.. وما الدين عندهم إلا وسيلة للاستقطاب السياسي والتجنيد للشباب من أجل الدفع بهم فى آتون الخيانة.. سواء خيانة الله أو الأوطان.. لصالح دول وأجهزة مخابرات أجنبية.هل السبب فيما نشاهده من جرائم إيقاع حياتنا الذى أفقدنا السيطرة على طبيعة الحياة الأسرية.. فلم نعد نرى الأسرة تجلس على مائدة طعام واحدة.. لم يعد الأب والأم يتحدثان مع الأبناء.. الجميع يمسك بجهازه المحمول أو «اللاب توب».. ويجلس مع آخرين فى العالم الافتراضى رغم وجود الجميع.. غاب الحوار والقدوة وغاب دور الأب والأم فى تعليم الأبناء الصغار الفضائل والقيم والمبادئ والرحمة والصواب من الخطأ.. انقطعت جسور التواصل الأسري.. وأصبحت وظيفة الأب والأم مجرد توفير المطالب والنفقات دون البحث عن القيم الأخرى.ومن رحم «الانفصام الأسري» .. خرجت علينا ظاهرة الألعاب الإلكترونية وما تحويه من مضامين وأهداف خبيثة وتعليم للتعصب والغضب أشبه بألعاب القمار والمراهنات.. يجلس الطفل وسط أسرته وهو يمارس هذه الألعاب وهو فى منزله داخل وطنه مع أطراف من دول أخرى مثل «البابجي» والقتل والعنف والسلاح.. بالإضافة إلى «السوشيال ميديا» التى تموج بالفوضى الأخلاقية والتجاوزات والإساءات وعرض فيديوهات لمشاهد العنف أو مشاهد الابتذال أو انتهاك الحياة الخاصة بلا ميثاق للشرف أو التزام أو قيود أو معايير ودون ضوابط واضحة فأصبح الجميع وكل شيء مستباحاً.ربما يرجع البعض الآخر انتشار الجرائم والأحداث المؤسفة إلى تراجع دور المدرسة فى بناء الشخصية فى ظل طغيان المادة حتى على المعلمين.. وانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية وابتعاد التلاميذ عن مدارسهم.. وغياب الرؤية التعليمية التى تستهدف بناء الشخصية ذات السلوك القويم والأخلاق الرفيعة والتسامح والاعتدال وإعلاء لغة الحوار والنقاش وتقبل الآخر.. استهلكنا التلاميذ فى مناهج كثيرة ومعقدة وشنطة مدرسية تقصم الظهر.. فأصبح اليوم الدراسي شديد القسوة والتصحر خالياً من أي نشاط رياضي أو ترفيهي أو توعوي أو حتى تعليم سلوكيات النظافة.. حتى الهدف انتهازى مجرد سرقة مجموع وهمى للدخول فى كلية ربما لا تناسب قدرات الطالب.. وربما لا يتقبلها فى الأساس ولا تناسب ميوله وقدراتهلكن ما هو الحل؟.. هل نستسلم لهذه الحالة؟.. حتى يسوء الحال ويشتد الأمر ويصبح أكثر صعوبة وتعقيداً.. أم نواجه ونحدد الأسباب التى أدت إلى مثل هذه السلوكيات أو الحالة الغريبة على المجتمع المصري الذى عرف بسماحته وطيبته وشهامته وكرامته واعتداله وتسامحه ونضع الرؤية الصحيحة للمواجهة بحيث كل منا يؤدى دوره.الحقيقة أننا نحتاج كمجتمع خطابا أخلاقيا وقيميا يخلصنا من هذه الحالة التى نشاهدها ونستشعر خطورتها.. نحتاج تجديداً الخطاب الديني الذى يجسد صحيح الدين ولا يمس الثوابت.. يخلص الناس من أمراض التعصب والتشدد والتطرف ويتسق مع جوهر تعاليم الدين.. نحتاج حالة نشاط فى المؤسسات الدينية بدلاً من الانكماش والتقليدية والقولبة والنمطية فى التعامل والتردد.. وهنا أشد على يد الأزهر أن يخرج إلى المجتمع ليستأصل بقايا الفكر الإخوانى «العفن» من كراهية وتشدد وتطرف وكذب وخداع وانتهازية نريد أيضاً دعاة أكثر قدرة على التواصل وخطف عقول الناس بأسلوب شيق بعيداً عن مجرد الأداء الوظيفي الروتيني نحتاج نشر سماحة الإسلام وباقي الأديان.. نحتاج نشر سيرة النبي «صلى الله عليه وسلم» وكيف كان قرآناً يمشى على الأرض.. وهو من قال فيه المولى عز وجل «وإنك لعلى خلق عظيم».وأيضاً نعلم دعاة الفجور والإباحية والابتذال والتعري والرخص.. والمتاجرة بذلك وكشف ما ستره الله من جسد وسلوكيات فالمولى عز وجل الذى استحى من فوق سبع سماوات أن يخدش علاقة الرجل والمرأة وذكرها بأرفع وأرقى المعاني فقال «فأتوا حرثكم إني شئتم وقدموا لأنفسكم» ثم يقول المولى عز وجل «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن».. وكذلك « وإذا سألتموهن متاعاً فاسألهن من وراء حجاب».. ما هذا الرقى والأدب الإلهي.. ولكن بعض البشر يجاهرون.. ويتفننون فى التباهي بأجسادهن.. وواحدة منهن تشعر بأنها من رجال الدين بل طفح الكيل منها وأصبح تواريها واختفاؤها أمراً حتمياً فمن تتحدث عن الدين وأن ذلك لا يخالف تعاليمه ترقص وبيدها كأس الخمر.وإذا من الأفضل أن تلتزم بيتها ولا تجاهر بمثل هذه السلوكيات.. وأيضاً ما رأيناه من سباق اللحم الرخيص وأجساد الرجال المحفورة بالوشم وارتداء الحلق الذى ترتديه النساء.. ثم تخرج علينا هذه الجثة باسم «مسرحية» أقل ما يقال عنها أنها فعل فاضح ولا يليق أن تقدم فى دولة وشعب مثل مصر ولا يمكن أن نصنف ذلك بأنه حرية.. لأننا نجنى الآن أشواك أفلام «البلطجة» والإجرام والمخدرات التى قدمتها الأعمال السينمائية والدرامية وكأنهم أبطال شعبيون وأصحاب فضيلة.. فأصبحت مشاهد الإدمان والدماء والقتل والاغتصاب بالنسبة للبعض أموراً عادية ومألوفة فلا أدرى هل هذا من أنواع الفن والذى من المفترض أن يرتقى بالذوق العام والمشاعر والأحاسيس ويرسخ القيم والأخلاق.ولعل تعانق إجرام الجماعات والميليشيات الإرهابية.. وفيديوهات الدم والذبح والحرق كل ذلك أفضى إلى حالة التبلد الأخلاقي التى نعيشها مع سلوكيات وجرائم البعض التى أفزعت جموع المصريين.إذا كنا جادين فى الوصول إلى الحل فعلينا إعلان الحرب على المخدرات بكل أنواعها وإجراء الفحوصات والتحاليل.. وأيضاً لابد من عدم السماح بالظهور أو المشاركة فى الأعمال الفنية «للساقطات والمتعريات والمخنثين».. ولابد أيضاً من مراجعة الأعمال السينمائية والدرامية والتوقف عن تناول الأعمال المبتذلة والهابطة والبلطجة والإثارة والجنس والعري.أيضاً لابد من القضاء على الابتذال فى الغناء وأن يكون هذا العمل وفق ضوابط ومعايير وإجراءات صارمة ونشر الفن المحترم والطرب الأصيل والمعاني الجميلة.. وتشجيع المواهب والأصوات الواعدة.. ونشر فرق وزارة الثقافة والأوبرا والمواهب والشباب والرياضة لتقديم حفلات فى المحافظات والجامعات والمدارس والمصايف وألا نترك فراغاً للابتذال والتدني وأغاني المهرجانات.لابد من القضاء على ظاهرة «التوك توك» لأنها أصابت قطاعاً من المواطنين بالانحراف وترويج المخدرات والأغانى الهابطة والتحرش والسرقة.. وأيضاً انخفاض أعداد الصنايعية والمهنيين السباك والنجار والكهربائي ومبيض المحارة.. فقد اتجه هؤلاء إلى شراء «التوك توك» الوسيلة الأسهل للكسب والقبح ونشر الابتذال والكسل.. فهل يعقل أن يسير التوك توك أمام مجلس النواب بلا حساب وفى الشوارع الرئيسية ليتحدى الجميع وفى اعتقادى أن إيقاف استيراد قطع غيار «التوك توك» هو إجراء عبقري وإن كنت أتوقع أن ورش بير السلم والفهلوة سوف تخفض أو تقلل من أثر القرار.المهم أننا نحتاج خطاباً مجتمعياً مختلفاً فى الإعلام والدراما والسينما والفن والغناء والثقافة والمؤسسات الدينية والمدرسة والمسجد والكنيسة.. وضرورة الضرب بيد من حديد على تجار المخدرات واللحم الرخيص و«المنحلين».. وكل رموز الخلاعة والوقاحة وإيجاد تشريعات وقوانين تتصدى بحزم لكل هذه المشاهد المسيئة والتى تتسبب فى حالة من السخط الاجتماعى وتصيب قطاعاً من الشباب بالهوس والتطلع بما يخالف الإمكانيات والقدرات فيتجه البعض إلى المخدرات لأنها تخلق حالة من التغييب بعيداً عن الواقع تحتاج وقفة جادة مع النفس فالأمر وصل إلى مناطق لم نكن نتوقع أبداً أن تصل إليها مخدرات «الشابو» وغيرها فالحرب على مصر لم تنته وتستخدم فيها كل الأسلحة والوسائل سواء فى استهداف العقول والغرائز وتفكيك الأسر وبث الإحباط وغرس سلوكيات منحرفة.الحقيقة أن الدولة المصرية وصلت إلى ربوع البلاد.. وتتصدى بقوة إلى كل أزمات ومعاناة المواطن المصري وحل مشاكله والاهتمام غير المسبوق ببناء الإنسان ولا تدخر جهداً فى توفير الحياة الكريمة والسكن الكريم وفرص العمل والارتقاء بالخدمات وإيصال الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجاً لكن فى نفس الوقت الذى تؤدى فيه الدولة واجبها وتعيد إصلاح خطايا الماضي فإن المجتمع لابد أن يواجه بجدية كل السلبيات والمظاهر المسيئة.. من خلال تحرك إعلامي وفنى وثقافي وديني وتعليمي ومجتمع مدنى يتصدى لمثل هذه الظواهر السلبية التى أقضت مضاجع المجتمع المصري.نحن فى أمس الحاجة إلى خطاب أخلاقي شديد الرقى يجمع ما بين أصالتنا وقيمنا ومبادئنا.. وبين روح المواكبة للعصر والتطور والحداثة بما لا يخل بالهوية والخريطة الجينية للأخلاق المصرية.. وعلى الجميع أن يشارك فى صياغة هذا الخطاب.تحيا مصر