البلطجة الإثيوبية قد تغرى الباقين بالتمرد
لو أن إثيوبيا نجحت ــ لا قدر الله ــ فى مخططها الرامى للهيمنة على النيل الأزرق، فإن الخسائر التى ستلحق بمصر كثيرة جدا.كثيرون تحدثوا عن هذه الخسائر المحتملة. لكن لم يتوقف بعضهم عند نقطة أراها غاية فى الأهمية، وهى أن النجاح الإثيوبى، سيدفع بقية بلدان حوض النيل، إلى تقليده، والتمرد على كل القواعد والأعراف والاتفاقيات والمعاهدات والتفاهات السابقة، وقد يقدمون مثلا على إقامة سدود مماثلة على النيل الأبيض، من دون التشاور والتفاهم مع مصر والسودان، مما سيؤثر بدوره على حصة مصر الأخرى، التى تأتى من هذا الفرع عبر السودان.وبالتالى فإن النتيجة النهائية التى ستنتهى إليها قضية سد النهضة، سوف تحدد إلى حد كبير طريقة تعامل بقية دول حوض النيل معنا لسنوات طويلة.الاتفاقيات التى تحكم علاقة مصر، مع كل دول الحوض منذ عام ١٩٠٢ ثم ١٩٢٩ و١٩٥٩، والاتفاقيات الفردية بين مصر وبقية بلدان الحوض، كانت تتضمن أفكارا وبنودا كثيرة لكن أهمها على الإطلاق، أولا: الإخطار المسبق، أى أن أى دولة تريد إقامة سدود كبرى على النيل، لابد أن تخطر مصر أولا، وتحصل على موافقتها، على إقامة هذا السد أو ذاك المشروع. والبند الثانى هو عدم التأثير على حصة مصر التاريخية البالغة ٥٥،٥ مليار متر مكعب.صحيح أن غالبية دول حوض النيل قررت توقيع اتفاقية عنتيبى فى مايو ٢٠١٠، من دون موافقة مصر والسودان، لكن الصحيح أيضا أن الاتفاقية لم تدخل حيز التنفيذ الفعلى حتى هذه اللحظة.الهدف الأساسى لمعظم دول حوض النيل هو تحقيق ما يسمى «بالتقسيم العادل والمنصف للمياه»، وهو شعار يبدو جذابا ومنطقيا للوهلة الأولى، لكن الترجمة العملية له هى الانتقاص من حصة مصر التاريخية، والتى صارت قليلة جدا، مع نمو عدد السكان الذى تجاوز قبل أيام ١٠٢ مليون مصرى فى الداخل فقط.طوال العقود الماضية، لم تجرؤ أى دولة فى حوض النيل، أن تنتقص من حقوق مصر المائية، لأنها كانت تدرك ببساطة أن مصر لن تقبل بذلك، وأنها ستتحرك بكل قوة دفاعا عن حقوقها.ونعرف أن مصر أبلغت العديد من الدول الأفريقية، التى حاولت تهديد حقوق مصر بأنها ستتحرك فورا حال تنفيذ هذه التهديدات فى السنوات التى سبقت عام ٢٠١١.الآن فإن أحد الأهداف الإثيوبية المهمة من وراء تنفيذ سد النهضة بصورة أحادية، هو كسر القانون غير المكتوب الذى يحكم العلاقة بين مصر، ودول بلدان حوض النيل منذ سنوات وعقود وقرون طويلة.هم يقولون إن ذلك هدفهم منذ سنوات طويلة، ولم يكونوا قادرين على تنفيذه، إلى أن استغلت إثيوبيا حالة الفراغ التى عاشت فيها مصر بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وأعلنت البدء فى إنشاء سد النهضة، ثم اتبعت سياسة التودد والتلطف مع مصر، وبعدها المراوغة والكذب والتهرب، وأخيرا التحدى والبلطجة، ومحاولة فرض الأمر الواقع.ظنى أن إثيوبيا، إذا تمكنت، لا قدر الله، من تنفيذ مخططها، فإن بعض دول حوض النيل، ستحاول أن تقلدها فيما تفعله الآن، ظنا ووهما وكذبا، أن مصر تحصل على حصة كبيرة من مياه النيل، وأن ذلك هو السبب فى تخلفهم وفقرهم!!.نجاح إثيوبيا فى خطتها الشريرة، سيعنى تقليد العديد من دول الحوض للنموذج الإثيوبى، بل ربما الجهر برغبتها العارمة فى بيع المياه لمصر، ولغيرها من الدول التى تريد أن تدفع، كما ألمح إلى ذلك صراحة دينا مفتى، المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية قبل أسابيع.من أجل كل ذلك ومن أجل المستقبل، فمن المهم جدا أن نتحرك بكل السبل والوسائل لوأد هذا الجموح الإثيوبى، ولقطع الطريق على كل من يفكر فى سلوك نفس الطريق غير القويم.النجاح فى كسر المشروع الإثيوبى، بأى وسيلة سلما أو حربا، يعنى استقرار العلاقة بين مصر وحوض النيل، حتى فى ظل اتفاقية عنتيبى الجائرة.وظنى الشخصى أن الدولة المصرية ستتمكن فى النهاية من الحفاظ على حقوقنا المائية، إن لم يكن بالسلم والمفاوضات، فهناك عشرات الطرق والأساليب الأخرى، لردع كل من تسول له نفسه المساس بحصتنا فى مياه النيل