المسؤولية ليست هكذا يا مسؤول!
المتابع لأداء وسلوك كثير من مسؤولينا يجد أنهم يتعاملون مع المسؤولية الوظيفية وكأنها شأن شخصي، أو أمر غير قابل للنقد والنقاش، دون أن يستوعبوا أن سمعتهم وتاريخهم -إن وجد- بل ومستقبلهم السياسي مرهون بتحملهم أمانة التكليف المرتبطة بالمنصب الحكومي.
هناك سلوك يغلب عليه الخفة والاستهتار وعدم استيعاب الموقع، ويكاد يكون سمة ملموسة في حياتنا وتعاملاتنا اليومية، بفضل هذا النوع من المسؤولين الذين وصل أغلبهم لمناصبهم بمعايير أبعد من الكفاءة والخبرة والسمعة الحسنة. والمسؤول يكون مديناً لصاحب الفضل الذي دفعه إلى هذا المكان، ولا يكترث لما عداه، وهذا ما ينتج عنه جملة من التداعيات السلبية إن على مستوى الإنجاز والتغيير الجيد، أو من جانب استشعار المسؤولية التي يفرضها المنصب نفسه.لذلك عندما يتولى هذا المسؤول منصباً معيناً بناء على أمور تبعده أكثر عن استحضار فكرة المحاسبة والتقييم والتغيير، فلا نتوقع منه كثيراً مما يتوجب عليه فعله، وهذا يعني خيبة أمل وفشل وخذلان أصحاب المصلحة من المواطنين. يجب أن يتذكر المسؤولون أنهم موظفو دولة من أجل خدمة شعبهم وبلدهم لا مسؤولين في شركاتهم ومؤسساتهم الخاصة، والتي يحق لهم فيها إدارتها بالطريقة التي تحلو لهم، والتعامل مع الآخرين وكأنهم عبء، أو ليسوا ضمن مسؤولياتهم وواجباتهم.كل مسؤول في الدولة ينبغي عليه أن يتصرف بما يخفف معاناة الناس، ويحل مشاكلهم ويمنحهم الأمل بتحقيق ما يصبون إليه في المستقبل، وليس التعامل بشكل غير مسؤول وفق معايير حزبية أو مناطقية أو قبلية أو مصلحية بحتة.
مما لا شك فيه أن لطريقة التعيين وطول بقاء المسؤول في منصبه دوراً كبيراً في تشجيعه على التصرف بنهج غير مقبول، ولا يخدم إلا صاحبه على حساب مَن يُفترض أنه جاء لخدمتهم وتحقيق مطالبهم.ويمكن أن نضم لهذه العوامل المحاصصة السياسية أو المذهبية أو المناطقية، لأنها تكرّس الشعور بالحماية من الإقالة، وتجعل المسؤول المحسوب على هذا الطرف أو ذاك التيار، يعتقد أنه غير معني إلا بما يتماشى مع مصالح داعميه وذوي الفضل عليه، وهذا يعزز الحالة السلبية وعدم الانسجام في أوساط الإدارات الحكومية، والنتيجة ما نراه في الواقع على مستوى البون الشاسع بين المواطن والمسؤول، وزيادة فقدان الثقة بمؤسسات الدولة بأكملها.
وفيه كثير حالتنا الراهنة فقد أدى الاغتراب الطويل للمسؤولين في عواصم الدول، إلى زوال ما تبقى من شعور بالمسؤولية عند البعض، الذين استغلوا غياب الرقابة والمحاسبة للتنصل من واجباتهم وتعليق الفشل على غيرهم، وكل هذا ضاعف درجة السطحية والانشغال بسفاسف الأمور في مواقع التواصل الاجتماعي.على هؤلاء الذين يركنون للحظة الراهنة الزائلة، أن يدركوا أن عبثهم واستهتارهم بمسؤولياتهم الوطنية والدستورية، في الوقت الذي يمرّ فيه بلدهم بأصعب الظروف والمتمثلة في الحرب وتداعياتها المختلفة، له عواقب وخيمة على أنفسهم وطموحاتهم، والتي ستصطدم بما صنعته أيديهم. إن الناس في الداخل ينتظرون المسؤول الإيجابي الذي يعمل على حلحلة أمورهم، لا المسؤول المشغول بمصالحه وأجندات داعميه، وهؤلاء يثيرون جلبة وضجيجاً، ويحاولون عبثاً تغطية فشلهم، والتذرع بما هو منطقي وغير منطقي.