مجتمعات ومنوعات

الهديرس يكشف سرّ أعماله الأدبية في مصر.. منحنى جديدًا ومغايرًا في أسلوب الرواية العربية

كشف الكاتب المؤلف والإعلامي، سعود سعد الهديرس عبر بوابة مصر الإخبارية عن روايته الجديدة المميزة من أعماله الأدبية.


فمن “سار القطار”؛ الرواية التي خطَّت دربها بثبات
«إلى روايته القادمة، تلك التي ستغوص في عوالم أدب الرحلات، كاشفةً دروبه البعيدة وما تخبّئه من أسرار وأسئلة ومغامرات.»

س1. ما مصدر الإلهام الأساسي لروايتك «سار القطار» وللوصف الشاعري للرحلة الذي نقرأه في المقابلة؟


ج1. الإلهام جاء من التلاقي بين ذاكرة شخصية، ومناظر الطريق التي تعكس حالات نفسية، ومن أسئلة الاغتراب والعودة. القطار هنا ليس فقط وسيلة نقل، بل رمزٌ لقدرة الإنسان على العبور عبر الزمن والذكريات، وعلى التحوّل أثناء الرحلة.

حاولت أن أصوغ هذا الرمز بصيغٍ شاعرية تسمح للقارئ بأن يرى نفسه داخل المشهد لا خارجه.

س2. لماذا اخترت القطار رمزًا محوريًا في السرد؟ وهل يخدم معانٍ محددة تتجاوز البُعد المادي؟


ج2. القطار يجمع بين الحتمية والحركة والصدف: يحكمه مسارٌ محدد لكنه يحمل ركابًا مصادفةً، يحمل ماضٍ وحاضرًا ومستقبلًا على مضاعفات صغيرة.

استخدامي له يسمح لي بالتعامل مع فكرة المصير، والذاكرة الجماعية والفردية، واللقاءات العابرة التي تتحول إلى مواقف مصيرية داخل النفس.

س3. تقول إن الرواية القادمة ستأخذ منحًى جديدًا في أسلوب الرواية العربية — ما هو هذا التجديد بالتحديد؟


ج3. التجديد هنا ليس تقطيعًا من أجل الجديد، بل دمج سردي بين الشعرية اللغوية والسردية المرصوصة، واستخدام مقاطعٍ ذاتية متقطعة تعمل كوسائط زمنية — أقصد دمج تقنية السرد الداخلي، والمونولوج الداخلي، وتقنية التكرار المدروسة، بحيث تتحول اللغة إلى فضاءٍ سردي يوازي الحدث ولا يعلو عليه.

س4. في نصِّك تبدو النوافذ والزجاج رموزًا مهمة. ماذا تمثل لديك؟


ج4. النوافذ تمثل حدود الرؤية: رؤية من بعيد، مشاهدة الحياة تمرّ بلا مشاركة فعلية. الزجاج يذكّر بعزلتنا، لكنه أيضًا يعكسنا. حين ينكسر الزجاج تتبدّل طريقة رؤيتنا.

أردت أن أظهر تذبذب الرغبة بين المراقبة والمشاركة، وأن أطرح سؤال الاندماج مع الواقع أو الاكتفاء بكوننا شهودًا على سراب.

س5. لماذا تصف النهاية بأن الرحلة «كانت تجري في داخلنا»؟ ما علاقة ذلك بمقاصدك الفنية؟


ج5. لأن معظم تحولاتنا الحقيقية تحدث داخليًا: نُغيَّر، نطوّع، نندمج، أو ننهار بعيدًا عن أعين الناس.

أردت أن أعكس أن كل خارطة سفر قد تكون حجزيًا على هيئة انتصار داخلي أو انهيار.

الرواية تسعى لأن تكون مرايا لذلك التحول، لا مجرد سرد خارجي للأحداث.

س6. قلت إن الرواية القادمة ستركز على “أدب الرحلات” — كيف تختلف روايتك عن نصوص أدب الرحلات التقليدية؟


ج6. التقليدي في أدب الرحلات يركّز على المكان والوصف الخارجي والتنقلات الجغرافية. هنا أحوّل الرحلة إلى محورٍ نفسي ومعرفي: المكان يتحول إلى حالة ذهنية.

السرد لا يتراجع إلى كتالوج أماكن بل يصبح تجربة وجودية تُدرس كمنهج في فهم الذات والآخر.

س7. ما الذي يجعل هذا العمل «يستحق أن يُدرّس» كما ذكرت؟ هل في التقنية السردية أم في الموضوع؟


ج7. من حيث الشكل، العمل يقدم أدوات سردية مركبة — مزج بين اللغة الشعرية وتقنيات الرواية الحديثة — يمكن أن تكون مادة للدراسة في جانب الشكل.

ومن حيث المضمون، يتناول مسارات الهوية والذاكرة والرحيل بعمق معياري يجعل الحوار عنه مفيدًا لطلبة الأدب والفكر.

س8. من هم الكتاب أو المدارس الأدبية التي أثرت في هذا المشروع؟ وهل ثمة مرجعيات محلية أو عالمية بارزة؟


ج8. تأثرت بتيارات متعددة: الشعر الحداثي العربي في لغته المكثفة، والسرد الأوروبي المعاصر في تقنياته الزمنية، وأيضًا بمتون الرحلات الكلاسيكية التي تعلمت منها فن الملاحظة.

لكني حرصت على ألا أكون تابعًا؛ التجربة النهائية خرجت مزيجًا متجانسًا يملك أسلوبه الخاص.

س9. كيف تعاملت مع بناء الشخصيات داخل هذا الإطار الرمزي؟ هل هم ركاب متجانسون أم أرواح ذات وجوه متعددة؟


ج9. كل شخصية تشبه محطة: لها تاريخها، شيفرتها، وشيء مخفي. بعضهم يعمل كمرآةٍ لبطلي، وبعضهم يوفر المناخ الاجتماعي للرواية.

حرصت أن تبقى الشخصيات واقعية في حوارها وغموضها، حتى لا تتحول إلى مجرد رموز جافة.

س10. هل تكتب هذه الرواية وفق خطة مُحكمة أم تترك للتيار اللحظي أن يقودك؟


ج10. مزيج من الاثنين: لدي خارطة للحبكة والمقاطع الأساسية، لكني أترك مساحة للاندفاع اللحظي والاشتغال اللغوي في صفحاتٍ معينة.

كثير من جمال النص يأتي من اللحظات التي يتجاوب فيها المخيال مع الكلمة فجأة.

س11. ماذا تريد أن يشعر القارئ عند نهاية الرحلة؟ وما الرسالة غير المعلنة التي تأمل أن تتركها الرواية؟


ج11. أريد للقارئ أن يغادر الرواية وهو يحمل شعورًا بالحنين والوضوح معًا: حنين لما كان، ووضوح لأن بعض الأسئلة وجدت لها مقاربةً داخلية.

الرسالة أن الرحلة الحقيقية لا تنتهي بتوقف القطار؛ تنتهي حين يختار الإنسان أن يواجه ذاته ويعيد ترتيب دفتها.

س12. أخيرًا، لأي قرّاء تكتب هذه الرواية؟ ومن سيجد فيها أكثر؟


ج12. أكتب لكل من يؤمن بأن اللغة تستطيع أن تُحدث تغييرًا داخليًا: القارئ الذي يطلب نصًا لا يمر مرور الكرام، الباحث عن تجربة قراءة تأخذ به إلى داخل نفسه، والدارس الذي يريد نصًّا غنيًا بالمواضيع والأساليب.

لكنها ستُعجب أيضًا لكل من يستمتع بالوصف المُدقَّق والنبرة الشعرية في السرد

عبدالرحمن حسن " آلراقي "

مستشار إعلامي/ رئيس تحرير جريدة بوابة مصر الإخبارية/ مقدم إذاعي وتليفزيوني/ معلق صوتي/ مستشار الإعلام بحلف مصر لحقوق الإنسان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى