تزييف الحقائق حينما ارتدى الباطل ثياب الحقيقة
بعض القضايا لا تقبل القسمة على اثنين، فالحق واضح والباطل أيضًا واضح وكما يقول النبي صلى الله عليه وسلم الحلال بين والحرام بين
ولكن هناك من يحاول أن يلبس الباطل ثياب الحق وذلك بالتحايل على الألفاظ والكلمات والأفعال بالميوعة في المواقف ودس السم في العسل فضلاً عن بعض الطرق الشيطانية الاخرى التي يلجأ إليها أصحابها للاستيلاء على الحق وتأميمه
ماهو الحق
الحق هو الحقيقة الثابتة المطابقة للواقع يقول الله سبحانه وتعالى قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (يونس 108) وهو الصدق الذي لا ريب فيه يقول سبحانه قَوْلُهُ الْحَقُّ وهو البيان القاطع إذ يقول سبحانه قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ» (البقرة:71)
ومعرفة الحق واجب عظيم، فكيف نُميّز الحق كيف نعرفه
ما هي الدلائل الدالة عليه ما هي أماراته ما هي صفاته ما هي طريقة الوصول إليه ما هي الصوارف عنه كيف نتعامل معها من هم أعدائه وكيف نواجههم
بعض الناس يمتلكون من الحيل الشيطانية ما يلبسوا على الناس فيه بين الحق والباطل فترى بعضهم يقومون باختيار اسم جذاب أو على الأقل مقبول فما تسمية الأشياء بغير اسمها إلا مسوغًا يجعل المتلقِّي يقبلها مستحسنًا إياها غير معظمٍ لجرمها
وبعضهم يسعى لتزيين أفعاله الخبيثة بأشياء تجميلية يحسب أنها كافية لتغيير الواقع لذلك لا يقبل أبدا أن يوصف بوصف يعبر عن ذلك الواقع بدقة لاتفسدوا في الأرض فهم لا يرتضونها ولا يقبلون أن توصف بها أعمالهم فتراهم يصفون أنفسهم بأنهم مصلحون وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون
وقد ظهر هؤلاء المنافقون حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفعلوا مثل ما يفعلونه الآن من تجميل وتزييف الحقائق فقالوا يا رسول الله وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (التوبة49)
ائذن لي ولا تفتنِّي فوالله لقد عرف قوْمِي أنَّه ما من رجُلٍ بأشدَّ عجبًا بالنِّساء مني وإنِّي أخْشى إن رأيتُ نساء بني الأصْفر ألاَّ أصبر تزيين آخر وتجميل لحقيقة مشوهة إنها كلمات الجد بن قيس للرسول صلى الله عليه وسلم يوم استنفر الناس لغزوة تبوك {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي} لا تفتني فالمشكل بزعمه في الفتنة في الشقراوات اللاتي يخشى أن يغريه جمالهن فيفتن عن دينه وكأنه رجل ورع وما أعظم تقواه
أظهر ذلك التورع وأبدى تلك العفَّة والخشية من الوُقوع في الفاحشة بدلا من أن يصرح بحقيقة جبنه وهروبه من المعركة، والفتنة الحقيقية التي وقع فيها
لكنَّ اللهَ له بالمِرْصاد، فقد كشف زَيْفَه وهتك ستْرَه؛ {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}
الحقيقة العارية
ومن باب تزييف الحقائق في العصر الحديث، نشر الفنان العالمي جان ليون لوحة اسمها الحقيقة العارية أو الحقيقة تخرج من البئر وقد رسمها سنة ١٨٩٦ م اللوحة تحكي عن أسطورة الحقيقة والكذب التي انتشرت في القرن التاسع عشر حيث تقول الأسطورة أن الكذب والحقيقة تقابلوا في يوم من الأيام فقال الكذب للحقيقة اليوم جميل جدا فنظرت الحقيقة حولها في شك و رفعت عينيها للسماء فوجدت أن الشمس مشرقة وأن الجو جميل فقررت أن تقضي اليوم في نزهة مع الكذب عاد الكذب و قال للحقيقة إن مياه البئر صافية و دافئة فهيا بنا نسبح نظرت الحقيقة للكذب فى شك للمرة الثانية ثم لمست المياه فوجدتها صافية ودافئة بالفعل فخلع الاثنين ملابسهم و نزلوا للاستحمام و فجأة خرج الكذب من البئر سريعا و ارتدى ثوب الحقيقة و جرى حتى اختفى فخرجت الحقيقة من البئر عارية و غاضبة وجرت الحقيقة محاولة أن تلحق بالكذب فلما رآها الناس عارية أعلنوا عن غضبهم منها و أداروا وجوههم عنها و هنا رجعت الحقيقة المسكينة إلى البئر و توارت، ولم تظهر مرة أخرى من شدة خجلها و منذ ذلك الحين والكذب يلف العالم مرتديا ثوب الحقيقة والناس تتقبله وتحبه و في نفس الوقت يرفضون رؤية الحقيقة العارية