خطورة الحل الجزئى لسد النهضة
لو نجحت خطة إثيوبيا الشريرة بأن يتم الملء الثانى لسد النهضة من دون اتفاق قانونى وملزم مع مصر والسودان، فإنها تكون قد حققت هدفا استراتيجيا، وهو محاولة الهيمنة على مياه النيل الأزرق، وتحويله إلى مجرد بحيرة إثيوبية داخلية، تعطى المياه لمن تشاء، وتمنعها عمن تشاء.ولو تمكنت إثيوبيا من الحصول على أى حل جزئى يحقق الملء الثانى بصورة قانونية، من دون الوصول إلى اتفاق شامل، فسوف تكون قد حققت معظم أهدافها.المسئولون الإثيوبيون احترفوا الكذب والمراوغة طوال السنوات الماضية، ثم اتبعوا سياسة التعنت والتحدى. ورغم كذبهم المستمر، فإن مدير إدارة الهندسة فى وزارة الدفاع الإثيوبيين الجنرال بوتا باتشاتا ديبلى قال كلاما صادقا يوم الجمعة ٢٥ يونيو الماضى خلال حوار صحفى مع قناة روسيا اليوم، خلاصته أنه فى اللحظة التى سوف تنتهى بلاده من عملية الملء الثانى، فإنه لن يكون هناك مجال لنقاش أى شىء، إلا أن تأتى كل الأطراف أى مصر والسودان، لكى نبحث معهم عملية تقاسم المياه، وليس ملء السد وتشغيله.هذا المسئول كذب كثيرا خلال الحوار، مثل قوله إن ٩٠٪ من المياه تذهب لمصر والسودان، وأن بلاده قادرة على صد أى هجوم على السد، لكن هذا الكذب ليس مجال نقاشنا اليوم، لكن فقط نركز على القناعة الإثيوبية بأنه متى انتهت عملية الملء فإن قواعد اللعبة سوف تتغير.كلام المسئول الإثيوبى منطقى إلى حد كبير فى هذه النقطة، فحين يكون هناك حوالى ١٨ مليار متر مكعب من المياه فى سد النهضة، أو أقل قليلا عقب انتهاء الملء الثانى، بنهاية موسم الأمطار هذا الصيف، فإن السد سوف يتحول إلى حقيقة واقعة، ويصعب مهاجمته، خوفا من أى تأثيرات وجودية على السودان وسكانه وزراعاته وسدوده، وخوفا أيضا من أى انتقادات دولية تنظر للسدود باعتبارها أهدافا مدنية لا ينبغى الاقتراب منها.سد النهضة بتصميمه الحالى، والنوايا التى يكشفها المسئولون الإثيوبيون بشأنه، تجعله ليس مشروعا أو سدا مدنيا لتوليد الكهرباء أو حتى للزراعة، ولعملية التنمية بل سلاحا شاملا يستهدف إخضاع مصر والسودان وجعلهما تحت رحمة أديس أبابا طوال الوقت.جربنا كل النوايا الحسنة مع إثيوبيا طوال عشر سنوات، ثم اكتشفنا متأخرين نواياها الشريرة.هناك دول ومنظمات كبيرة تحاول تزيين اتفاق الحل الجزئى الخاص فقط بعملية الملء الثانى مع وعود بالتوصل لاتفاق شامل بعدها بشهور قليلة. وللأسف الشديد فإن هذه العروض هى جوهر الأفكار التى عرضتها إثيوبيا طوال الشهور الماضية. وتحاول من خلالها شراء الوقت حتى تفرض علينا أمرا واقعا.المنطق البسيط يقول بوضوح: إذا كانت إثيوبيا جادة فى التوصل لاتفاق حقيقى، فلماذا لا تنجزه الآن، ولماذا لم تنجزه طوال السنوات الماضية، خاصة فى فبراير ٢٠١٩، وهربت حينما تم التوصل لاتفاق عادل بوساطة أمريكية فى واشنطن وبحضور البنك الدولى؟الحقيقة الواضحة أن إثيوبيا لا تريد اتفاقا وبالتالى فالمنطقى ألا نقبل أى اتفاق جزئى، بل أن نجعل العالم يشهد أن إثيوبيا نفذت الملء الثانى بصورة أحادية.الاتفاق الجزئى الذى طرحته مجموعة الأزمات الدولية ثم المبعوث الأمريكى الحالى جيفرى فيلتمان، هو مصيدة إثيوبية ينبغى ألا نقع فيها.وظنى أن أفضل حل للرد على إثيوبيا إذا نفذت هذا الملء الأحادى، أن نجمد أو ننسحب من اتفاق المبادئ لعام ٢٠١٥، ثم تتخذ الإجراءات الواجبة لحماية الحقوق المصرية الثابتة فى مياه النيل.الملء الثانى بصورة أحادية، أو الاتفاق الجزئى لهذا الملء، سيلغى أى قدرة مصرية على المناورة بعد ذلك، وبالتالى أتمنى أن نستخلص العبر والدروس، وألا نسمح لإثيوبيا بأن تفرض علينا إرادتها، وتجعلنا تحت رحمتها. حان وقت التحرك لحسم الأمور، بغض النظر عن أى مواقف إقليمية أو دولية، لأن الأمر يتعلق بحياتنا ومستقبلنا.