ذهنية إخوانية واحدة
لا أعرف النهاية التى ستئول إليها الأوضاع فى تونس الشقيقة، بعد القرارات المهمة التى اتخذها الرئيس قيس سعيد مساء الأحد الماضى، وتضمنت حل الحكومة وتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، اعتمادا على الفصل ٨٠ من الدستور.لكن ما أعرفه جيدا أن حركة النهضة أو جماعة الإخوان، ارتكبت نفس الأخطاء التى وقعت فيها الجماعة المصرية، طوال الفترة من ٢٥ يناير ٢٠١١ وحتى ٣ يوليو ٢٠١٣، للدرجة التى تدفع البعض للقول إن الأفكار واحدة وكذلك الذهنية، وبالتالى فإن النتائج تأتى متشابهة أيضا.كنت أعتقد حتى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ أن جماعة الإخوان فرع تونس أكثر تحضرا وتفهما وتعقلا وثقافة واطلاعا ومعرفة بالعالم وبالتفكير السياسى الرشيد من بقية فروع الجماعة فى المنطقة العربية. لكن ثبت أن هذا الاعتقاد غير صحيح.أتذكر أننى حاورت راشد الغنوشى مؤسس وزعيم حركة النهضة خلال زيارته لمصر عام ٢٠١٢ على ما أتذكر.ويومها تصورت أن إخوان تونس أكثر فهما لممارسة السياسة، واستعجبت من الخلاف بين الجماعتين فى مصر وتونس.لكن ثبت فى النهاية أنه لا يوجد فارق بين فروع جماعة الإخوان، ربما يكون الفارق فى الدرجة والشكل، ولكن ليس فى الجوهر.أتذكر أيضا أن الغنوشى ومعه بعض قيادات حركة النهضة انحنوا للعاصفة، ورفضوا المشاركة فى الحكم رغم حصولهم على مقاعد معتبرة فى البرلمان التونسى، حينما رأوا «إخوانهم» فى مصر يسقطون فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣. يومها قدم الغنوشى نفسه وجماعته باعتباره لاعبا سياسيا ماهرا، وانحنى للعاصفة الشديدة التى ضربت الجماعة فى المنطقة العربية، وكان مصيبا فى حساباته، لأنه ترك الحكم المباشر، لكنه كان قوة أساسية فى البرلمان، فى ظل حكم الرئيس الراحل الباجى قايد السبسى.وحينما جاءت الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حصلت الجماعة على النسبة الأكبر من المقاعد، مسجلة ١٩٪، ورغم أنها نسبة ليست حاكمة، لكنها أتاحت للجماعة التحكم فى البرلمان بعد التحالف مع أحزاب وقوى أخرى، بل وهى التى هيمنت على حكومة هشام المشيشى وجعلتها ألعوبة فى يدها.الخطأ الأكبر أو لنقل الخطيئة التى وقعت فيها «النهضة» أنها طبقت نفس فلسفة «المغالبة والتكويش». ونسيت أنها فى أفضل الأحوال حصلت على أقل من خمسة مقاعد البرلمان، وبالتالى فهناك ٨٠٪ من القوى السياسية الأخرى موجودة فى نفس المشهد.مرشح الجماعة فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة عبدالفتاح مورد خسر من الجولة الأولى، ولم تفهم الجماعة هذه الإشارة، وفوجئ الجميع بأن الجماعة تدخل فى صراع مفتوح وعلنى مع الرئيس قيس سعيد، وأدخلت معها حكومة المشيشى فى هذا الصراع. نتيجة هذا الصراع المكشوف أن المواطن التونسى وصلته رسالة واضحة وهى أن أحواله المعيشية ظلت تتدهور من دون وجود أى أفق للخروج من الأزمة. وجاءت تداعيات فيروس كورونا، لتوجه ضربة قاصمة للاقتصاد التونسى الذى يعانى من صعوبات جمة.النتيجة المنطقية لهذا المشهد هى وصول رسالة لغالبية المواطنين بأن الكتلة الأساسية فى البرلمان لم يعد يشغلها أوضاع الناس المعيشية، بل الصراع على السلطة. وهكذا زادت المظاهرات وتوسعت حتى وصلنا إلى يوم الأحد الماضى، حينما خرجت جماهير حاشدة، احتجاجا على تدهور الأوضاع الاقتصادية والصحية.لم تدرك حركة النهضة أن إصرارها على «المبادرة الصفرية» مع الرئيس، الذى أصاب البلاد بشلل تام، سوف تدفع ثمنها إن آجلا أو عاجلا، بل أن البعض يعزى الكارثة الصحية إلى هذا الصراع السياسى، خصوصا أن تونس لديها واحدة من أسوأ معدلات الوفيات الرسمية فى العالم بسبب كورونا «١٨٠ ألف حالة لعدد سكان لا يزيد عن ١٢ مليون نسمة». وبالتالى يمكن القول إنه إذا تمكن قيس سعيد من حسم الأمر بصورة نهائية لصالحه فإن «كورونا» سيكون قد ضرب جماعة الإخوان أيضا.مرة أخرى الأمور لم تتضح بعد، لكن ما صار مؤكدا هو أن تفكير الإخوان سواء كانوا فى مصر أو تونس أو ماليزيا أو أوروبا أو أمريكا متشابه حتى فى التفاصيل الصغيرة