عدو الأمس قد يصبح صديق اليوم والعكس صحيح فى السياسة لا يوجد شىء ثابت أبدا هى دائما متغيرة حسب المصالح
عدو الأمس، قد يصبح صديق اليوم، والعكس صحيح. فى السياسة لا يوجد شىء ثابت أبدا، هى دائما متغيرة حسب المصالح.
الخطأ الأكبر الذى يقع فيه الكثير منا نحن العرب، هو التعامل مع السياسة، وكأنها علاقة بين عشيقين أو حبيبين أو شقيقين. أى أنها دائمة ومستمرة، رغم أنه حتى فى حالة الحب أو العشق أو الأخوة يحدث الخصام والشقاق والهجر وأحيانا تصل الأمور إلى القتل.
ورأينا الأب يقتل ابنه أو العكس، أو يقتل الشقيق شقيقه من أجل السلطة فى بعض البلدان العربية، بل وفى معظم دول العالم، فى حقب زمنية متغيرة، بل إن قابيل قتل شقيقه هابيل بعد خروج آدم من الجنة.
أسوق المقدمة السابقة للبرهنة على أنه لا شىء دائم ومستقر فى السياسة. من المهم أن تكون هناك مبادئ وأخلاق فى أى شىء، لكن الأمور لا تقاس أبدا بهذا المنطق، بل المصالح هى الغالبة دائما.
تصادم وتصارع المصالح يحدث دائما، وهو أمر طبيعى فى السياسة، وهو أيضا لا يعنى التآمر، لأن الأخير يتم فى الخفاء، فى حين أن صراع المصالح، يحدث فى معظم الأحيان فى النور، وعلى من لا يصدق عليه أن ينظر للخريطة السياسية فى العالم كله. وسوف يندهش، وبعدها يفترض أن يفيق، ليدرك الحقيقة الأساسية، وهى كيف يمكن لأى دولة أن تعظم مصالحها، وتكسب أكبر قدر ممكن من صداقة البلدان المختلفة، وإذا لم تتمكن فلتجعلها على الحياد.
جزء كبير من صراعات كثيرة فى العالم صارت مرتبطة أو ناشئة عن الصراع الأمريكى مع كل من الصين وروسيا. الصين تشعر أنها تقترب من أن تكون الدولة الأقوى فى العالم اقتصاديا، وتريد أن يتم ترجمة ذلك على الأرض. وأمريكا تسعى بكل السبل إلى منع ذلك، أو على الأقل تأخير حدوثه.
أمريكا فى عهد بايدن دخلت فى صراع مفتوح أيضا مع روسيا، التى يعتقد كثيرون فى الإدارة الأمريكية الحالية، أنها كانت مسيطرة على الرئيس السابق دونالد ترامب، ولذلك فإن موسكو تجد نفسها فى خندق واحد مع الصين ضد أمريكا.
ومن الواضح أن العالم يدخل تقريبا فى حرب باردة جديدة بين بكين وواشنطن، وسوف يحاول كل طرف أن يحصل على دعم بقية دول العالم فى صفه، كما كان يحدث أثناء الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتى، والذى استمر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥، وحتى سقوط جدار برلين، وتفكك الاتحاد السوفيتى أوائل التسعينيات، من القرن الماضى.
هذا الصراع الجديد بين بكين وواشنطن، قد يكون مفيدا جدا لبعض الدول النامية أو الصغيرة أو المتوسطة وقد يكون مضرا جدا. ويتوقف ذلك على قدرة كل دولة على الاستفادة من التناقضات بين قطبى العالم الآن.
الصين تحاول إغواء الكثير من دول العالم بأن تكون فى صفها عبر مبادرات وشراكات كثيرة مثل «الحزام والطريق» أو تكنولوجيا وشبكات الجيل الخامس من ثورة الاتصالات، وهو الأمر الذى تحاربه أمريكا بلا هوادة، وتسعى لتقديم بديل جديد لمبادرة «الحزام والطريق» عبر شركاتها مع الاتحاد الأوروبى والدول التى تؤمن بالاقتصاد الحر والثقافة العربية، فى عهد ترامب كان يرفع شعار إما أن يكون العالم معنا أو ضدنا مع الصين؟ وإدارة بايدن تفعل ذلك، ولكن بغلالة رقيقة ومن دون طنطنة.
السؤال الذى يفترض أن نسأله لأنفسنا فى مصر والوطن العربى: كيف نستفيد من هذا الصراع الذى يطرق أبواب العالم، وكيف نتقى شره وشروره وشظاياه؟
سؤال يحتاج إلى إجابات هادئة وعميقة حتى لا نكون نحن العرب العشب الذى تدهسه الأفيال!.