من المهم أن ندرس بعمق الهجوم الإثيوبى الشديد على الشقيقة تونس فى الأيام الأخيرة
ابراهيم سلطان الفردى الامين العام لمنظمة حلف مصر لحقوق الانسان بالاسكندرية من المهم أن ندرس بعمق الهجوم الإثيوبى الشديد على الشقيقة تونس فى الأيام الأخيرة، حتى نفهم حقيقة النوايا الإثيوبية، ولا نعلق آمالا غير صحيحة، بشأن ما يمكن أن تفعله سياسة الاعتماد على حسن النوايا فقط.نعلم أن تونس عضو غير دائم فى مجلس الأمن لمدة عامين عن قارة أفريقيا، وبحكم عضويتها قدمت مشروع بيان رئاسى لمجلس الأمن، للتوصل إلى توافق مصرى إثيوبى سودانى بشأن قضية سد النهضة.البيان تم تقديمه بعد الجلسة المهمة جدا وشديدة السلبية لمجلس الأمن بشأن هذه القضية فى 8 يوليو الماضى. الاختلافات كانت شديدة، وعدد كبير من الدول الكبرى، خصوصا الصين وروسيا، انحازتا لوجهة النظر الإثيوبية.ليس هذا هو المهم اليوم، لكن بيان مجلس الأمن الرئاسى صدر مساء الأربعاء الماضى بالإجماع، وجاء أقرب إلى وجهة النظر الإثيوبية، حيث لم يفرض على أديس أبابا أى التزامات قانونية وسياسية ملزمة، فهو لم يحدد موعدا واضحا لنهاية المفاوضات ولم يطالبها بعدم ملء السد بصورة أحادية، ولم يلزمها بمفاوضات دولية أو حتى مراقبين دوليين، والأهم أنه قال إن مجلس الأمن ليس المكان المناسب لتسوية قضايا المياه وأعاد القضية للملعب الذى تفضله أديس أبابا، وهو الاتحاد الأفريقى الذى تنحاز دول كثيرة داخله، للموقف الإثيوبى بصورة كبيرة.إذن أى مراقب منصف سوف يكتشف أن البيان أرضى إثيوبيا كثيرا مقارنة بمصر والسودان، وبالتالى فإن السؤال: كيف بعد كل ذلك تتهم إثيوبيا تونس، بأنها ارتكبت «ذلة تاريخية»، وأنها انحازت إلى الموقف المصرى، وحاولت التأثير على المصالح الإثيوبية والإضرار بها؟!هذا الاتهام الإثيوبى يعنى حقيقة واحدة، وهى أن أديس أبابا لا تريد من أى دولة فى العالم أن تتحرك إلا بناء على ما يخدم أجندتها الضيقة، والمتمثلة فى تحويل نهر النيل إلى بحيرة داخلية إثيوبيا وليس نهرا دوليا عابرا لدول مختلفة، ويخضع للاتفاقيات الدولية.تونس ردت على الاتهامات الإثيوبية بأن «صدور البيان بالإجماع، يعنى أنه جاء متوازنا، وراعى كل مشاغل ومصالح الأطراف الثلاثة، وأنها تستغرب التشكيك الإثيوبى فى التزام تونس الصادق والدائم فى الدفاع عن القضايا الأفريقية فى كل المحافل الدولية».تونس قالت أيضا فى بيان مهم أصدرته مساء الخميس الماضى إن: «البيان الرئاسى صدر بناء على تنسيق محكم وتشاور مستمر مع كل الدول المعنية، وكان الهدف هو تشجيع كل الأطراف على استئناف المفاوضات بشكل بناء».النقطة الجوهرية التى ينبغى أن نلتفت إليها فى الاتهام الإثيوبى الأخير لتونس، هى أن أديس أبابا تمارس نفس اللعبة الماكرة والخبيثة منذ عقود طويلة، وهى اللعب على وتر «خرافة التعصب العربى ضد الأفارقة». هى تبتز مشاعر الأفارقة للإيحاء بأن ما يحدث الآن من تضامن عربى مع شقيقتهم مصر فى قضيتها العادلة بشأن حصتها التاريخية فى مياه النيل، إنما مرجعه أن العرب البيض ينحازون لمصر، ضد الأفارقة السود، وأن ذلك هو استمرار لممارسات مقيتة ومرفوضة حدثت منذ عقود طويلة فى تجارة العبيد المتهم فيها بعض العرب والمسلمين.إثيوبيا استخدمت نفس اللهجة واللغة والأسلوب قبل شهور حينما خصص اجتماع وزراء الخارجية العرب جلسة على هامش اجتماعهم فى الدوحة فى يونيو الماضى، لدعم الموقف المصرى السودانى فى قضية سد النهضة. يومها شنت إثيوبيا هجوما دبلوماسيا وإعلاميا شديدا ضد الجامعة العربية، التى ردت وقتها بأنها تدعم مواقف عادلة وأنها حريصة على العلاقات العربية الأفريقية.على مصر والسودان والجامعة العربية الالتفات إلى هذه الطريقة الإثيوبية الماكرة، وأعلم أن الجزائر بذلت جهدا فى هذا الموضوع حينما قام وزير خارجيتها المخضرم رمضان العمامرة بجولة فى مصر والسودان وإثيوبيا، قبل أسابيع قليلة فى محاولة لإقناع إثيوبيا بأنه لا يوجد تكتل عربى ضدها.إثيوبيا ستواصل نفس السياسة للأسف، والأخطر أن هذا الموقف والهجوم على تونس، يكشف لنا عن السلوك الإثيوبى المتوقع فى الفترة المقبلة، وأنها تشن حروبا ممنهجة ضد أى دولة تحاول أن تتخذ أى موقف حتى لو كان محايدا أو عادلا من قضية سد النهضة.