نهاية قدرة الإخوان على خداع الشعوب العربية بالشعارات الدينية البراقة
إذا نجح الرئيس التونسى قيس سعيد والقوى المؤيدة له، فى إخراج جماعة الإخوان ممثلة فى حركة النهضة من المشهد السياسى التونسى، وتقديم نموذج سياسى بديل ومقنع شعبيا، فإن ذلك سيمثل تحولا سياسيا مهما ومدويا فى المنطقة العربية عموما، والمغاربية خصوصا، وسيقود إلى تحولات كثيرة أهمها إخراج جماعة الإخوان من آخر حصونها القوية فى المنطقة، وطى صفحة كل ما حققته منذ عام ٢٠١١، بل وربما تهديد وجودها نفسه.جماعة الإخوان هى أكثر من استفاد من ثورات الربيع العربى والتى انطلقت شرارتها الأولى من تونس، وأسقطت حكم زين العابدين بن على فى ديسمبر ٢٠١١، ثم كانت الجائزة الكبرى لهم، حينما تمكنوا من السيطرة على المناصب الكبرى فى مصر، خصوصا رئاسة الجمهورية ومجلسى الشعب والشورى والحكومة، وكادوا يتمكنون من الهيمنة على البلد بأكملها لولا ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣.نجحوا أيضا فى الحصول على مكاسب سياسية كثيرة فى العديد من البلدان العربية الأخرى، لكن ظلت تونس هى الجائزة الأكثر لمعانا بالنسبة لهم، باعتبارها نموذجا يحظى برضاء وتأييد غربى.كان كثيرون يقولون إن «الإجابة هى تونس»، اعتقادا أنه تم إيجاد حل للمعضلة التاريخية الخاصة بكيفية التوفيق بين الحداثة الغربية والاستبداد الشرقى. وبالتالى فإن فشل التجربة التونسية ينهى هذا الجدل أو على الأقل يحسمه لفترة طويلة من الوقت.لو انتهى الصراع بإخراج جماعة الإخوان من المشهد التونسى، أو حتى تقليم أظافرها، فإن ذلك سيعنى وقف المد الإخوانى فى المنطقة العربية لسنوات طويلة خصوصا فى المغرب العربى. التجرية التونسية هى التى مثلت الإلهام لصعود الإخوان والإسلام السياسى فى ليبيا المجاورة قبل أن تنهار التجربة بالكامل، ويكتشف الجميع أنهم كانوا مجرد ميليشيات، وهى أيضا التجربة التى ألهمت إخوانهم فى الجزائر فى الحصول على نسبة كبيرة فى آخر انتخابات برلمانية جرت هناك قبل شهور. إضافة بالطبع إلى أن قوى الإسلام السياسى هى الأكثر تأثيرا فى البرلمان المغربى طوال العقد الماضى، وإن كانت التجربة المغربية لها سمات خاصة للغاية، ومختلفة إلى حد كبير عما حدث فى بقية بلدان شمال أفريقيا.نهاية هذه التجرية تعنى أن الرهانات التركية على نشر النموذج التونسى قد سقطت، وقد تعجل بسقوط آخر أمل لجماعات الإسلام السياسى فى ليبيا، وهى الجماعات التى تقاتل معركتها الأخيرة هذه الأيام، للاستمرار فى المشهد، بعد أن اكتشف الشعب الليبى وعدد كبير من بلدان العالم، أنه لا يمكن الاستمرار تحت ظل حكومات تسندها الميليشيات أو المرتزقة والقوات الأجنبية.وبالتالى فإن هذا السقوط سيزيد من عزلة نظام الرئيس التركى رجب أردوغان، وكل القوى والتنظيمات التى دعمت جماعة الإخوان المسلمين فى المنطقة طوال السنوات الماضية.نجاح قيس سعيد سيعنى أيضا أن جماعة الإخوان قد فشلت فى المنطقة العربية بأكملها، بعد أن سقطت كل تجاربها تقريبا فى المنطقة، وصار قياديوها وكوادرها ورموزها إما فى السجون أو لاجئين ومطاردين فى الخارج.سقوط هذه التجربة سيعنى أيضا نهاية قدرة الإخوان على خداع الشعوب العربية بالشعارات الدينية البراقة، وأنه من دون تحسين مستوى حياة الناس المعيشية والإنسانية، فإن كل الشعارات سوف تسقط، مهما كانت جاذبيتها ودغدغتها للمشاعر.إذا كان الشعب التونسى هو صاحب الفضل الأول فى كشف جماعة الإخوان، وأيدت قوى كثيرة منه قرارات قيس سعيد الأخيرة بصورة عملية، لكن ذلك، لا يعنى إعطاء الرئيس سلطة مطلقة، بل أن كل ذلك مرهون بتوفير نظام حكم إطار جديد ومختلف يوفر حياة كريمة للتونسيين الذين ظلوا يتلقون وعودا براقة طوال عشر سنوات، دون أن يلمسوها على أرض الواقع.سقوط التجربة الإخوانية فى تونس سيعنى أيضا رد الاعتبار للدولة الوطنية، لكن على هذه الدولة أن تدرك أنه إذا كانت الشعوب العربية قد أسقطت جماعة الإخوان، فإن ذلك لا يعنى التسليم بالحكم المستبد وبالتالى فعلى الحكومات والشعوب العربية البحث عن نموذج حداثى وعصرى يقوم على التنمية الاقتصادية من جهة، واحترام حقوق الإنسان من جهة أخرى، وإلا فإن شبح عودة المتطرفين يظل قائما مهما طال وقت غيابهم. ولدينا نماذج عودة الأحزاب النازية والفاشية فى أوروبا، بعد أن ظن الكثيرون، أنهم انتهوا إلى غير رجعة.