هل من حق المعلمة أن ترقص
صياغة السؤال بهذه الطريقة ليست بريئة. وبالتالى لابد من تفكيك الأمر وشرحه حتى نصل إلى قواعد واضحة تفك الاشتباك، الذى اندلع فجأة فى المجتمع المصرى الأسبوع الماضى.
فى أواخر ديسمبر الماضى نظمت نقابة المعلمين بالدقهلية رحلة إلى القاهرة تضمنت رحلة نيلية، وخلالها قام عدد من المدرسين والمدرسات بالرقص داخل المركب النيلى، ظهرت خلاله إحدى المعلمات ترقص بتشجيع من زملائها. هذه المعلمة تم اختيارها معلمة مثالية وتم تكريمها فى ١٨ ديسمبر الماضى من قبل نقابة المعلمين بالمنصورة.
وتقول: «منه الله الذى صور لى وخرب بيتى وأساء لسمعتى ولأولادى ولزوجى وأصابنى باكتئاب، وعلى فكرة محدش حولنى للتحقيق، أنا موقعة على تنازل أنى لا أكمل فى التعليم، أعمل ٢٤ حصة فى الأسبوع ومكبوتة جدا، يعنى هو الواحد حرام يفك عن نفسه شوية، ملابسى كانت عادية جدا، وكنت وسط الناس وأهلى وزملائى، وأقضى مع زملائى وقتا أطول مما أقضيه فى البيت».هذه هى التفاصيل الأساسية للقصة التى جعلت «وصلة رقص على مركب نيلى» تقيم الدنيا ولا تعقدها على وسائل التواصل الاجتماعى.
والسؤال من المذنب ومن الضحية فى هذه القصة؟!للأسف كثيرون ظلموا هذه المعلمة وأساءوا إليها واغتالوا شخصيتها بحسن أو بسوء نية.السيدة من وجهة نظرى لم تخطئ بالصورة التى قام البعض بتصويرها.
هناك صورة مثالية يضعها أغلب المجتمع للمعلمين، وهم يستحقونها بطبيعة الحال ونردد جميعا ودائما مقولة: «كاد المعلم أن يكون رسولا».
لو أن السيدة رقصت فى الفصل أمام التلاميذ أو فى أى مكان داخل المدرسة فهى تستحق أشد أنواع العقاب لأنها قدوة للتلاميذ والطلاب.لكن السؤال الجوهرى أليست هذه المعلمة بشر تفرح وتحزن، ومن حقها أن تمارس حياتها بصورة طبيعية؟!المعلمة حينما رقصت هى وزملاؤها لم تكن فى مكان عام متاح للجميع بل كانت فى مكان خاص مغلق على غير أعضاء الرحلة، وبالتالى فهى من أحاد الناس وليست شخصية عامة، ولا يحق لأحد أن ينتهك خصوصيتها.غالبية السيدات من كل المهن والطبقات الاجتماعية ترقص فى أفراح أقاربها، فهل يحق لأى متخلف ومتلصص ومتجسس أن يقوم بالتقاط الصور والفيديوهات، ويضعها على وسائل التواصل الاجتماعى، وبعدها يحاكم المجتمع هؤلاء السيدات ويمارس معهن أبشع صور النفاق الاجتماعى.
عدد كبير من المصريات ومنهن سيدات مجتمع وشخصيات عامة يغنين ويرقصن على أنغام المهرجانات ليلا ــ التى ينتقدنها نهارا ــ فى كل الأفراح والمناسبات، فهل إذا قام أحد بتصويرهن خلسة ووضع الصور على التواصل الاجتماعى تحاكمهن، لو حدث ذلك فلن تكون لدينا أفراح بالمرة.
قرأت رؤية محترمة للمحامية المعروفة نهاد أبوالقمصان عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان فى مداخلة مع الإعلامى محمد مصطفى شردى على قناة «الحياة اليوم»، تقول فيها إن نشر فيديو المعلمة جريمة من جرائم الإنترنت، وأن المعلمة وزملاءها يحق لهم التقدم ببلاغ للنيابة للقبض على ناشر الفيديو، لأنهم لم يعطوا هذ الشخص الإذن بتصويرهم، والمادة ٣٠٩ مكرر من قانون العقوبات تجرّم كل أشكال الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، والعقوبة هى الحبس لمدة لا تزيد عن سنة، والمادة «٣٠٩ مكرر أ» تعاقب بالحبس كل من أذاع وسهّل إذاعة أو استعمل ولو فى غير علانية تسجيلا أو مستندا متحصلا عليه من غير رضا الشخص صاحب الشأن.أقدر إلى حد ما التفكير الذى يتعامل مع المعلمة وبعض الفئات الأخرى مثل القضاة بصورة حساسة، ويضعها فى منزلة سامية، لكن علينا أن نكون واضحين أنها كانت تمارس حياتها الخاصة، ولم ترتكب جريمة مخلة بالشرف أو السمعة.
هى رقصت أمام جمع من زملائها بصورة تفعلها ملايين المصريات ليل نهار. وبالتالى فإن المجرم الحقيقى هو من قام بالتصوير والبث والإذاعة، وهو ما يقودنا مرة أخرى إلى الجانب شديد السلبية فى وسائل التواصل الاجتماعى.