تاريخ

منزل أثري بمصر يعود لإبن أخت محمد علي باشا تحول من بيع اللحوم إلى مركز ثقافي

كتب_زينب غازي

تعد البيوت القديمة ذات معمار فريد تزين منطقة القاهرة التاريخية تحمل حكايات من سكنوها منذ عصور مضت، ونجد عوامل الزمن ويد الإهمال تصيبها بأضرار كثيرة، وتصبح في حاجة إلى الإنقاذ لتعود إلى سابق عهدها.

من بين بيوت القاهرة القديمة “بيت يكن” في شارع سوق السلاح بمنطقة الدرب الأحمر، والآن واحداً من أجمل بيوت المنطقة، بعدما جدد بعملية ترميم شاملة.

وكلمة يكن (يجن) أصلها تركي، وتعني ابن الأخت، حيث كان البيت ملكاً لابن أخت محمد علي باشا الذي أعطى لأبناء أخته منازل عدة في هذه المنطقة، حتى إنها عرفت آنذاك باسم اليكنية نسبة إليهم، وكانت هذه المنطقة وقتها تعد قلب القاهرة.

ومع مرور السنوات وتغير شكل المنطقة اختفت وتهدمت بعض هذه المنازل، ساءت حالة المبنى، حتى يعود إلى سابق عهده و تحقق بالفعل على يد مالكه الأخير، الذي لم يكتفِ فقط بترميمه، بل حوله إلى مركز ثقافي ونقطة إشعاع تنموي في قلب القاهرة القديمة.

تبنى مبادرة إحياء بيت يكن الدكتور علاء الحبشي، رئيس قسم العمارة بجامعة المنوفية واستشاري ترميم وصيانة المباني الأثرية، الذي رمم مباني عدة في منطقة الدرب الأحمر ذاتها التي يقع بها بيت يكن، كان من أبرزها مشروع تطوير بيت الرزاز، وكرم أخيراً من رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري في اليوم العالمي للتراث؛ لجهوده في تطوير بيت يكن ومنطقة سوق السلاح.

وعن رحلته مع بيت يكن من بدايتها يقول الحبشي لـ”اندبندنت عربية”، “بعد تخرجي في جامعة الإسكندرية حصلت على الدكتوراه في تخصص الحفاظ على التراث، وعملت في مشروعات متعددة لترميم الآثار في القاهرة القديمة، وتحديداً في منطقة الدرب الأحمر الواقع بها البيت، وأثناء عملي كان يلفت انتباهي هذا البيت الذي كان وقتها مملوكاً لجزار (بائع لحوم) ويستخدمه كمكان لبيعها، إلى أن علمت برغبة صاحب البيت في بيعه، وأن هناك نية من أحد المقاولين لشرائه وهدمه لإنشاء مجموعة عمارات سكنية في مكانه، فبدأت الفكرة تراودني بشراء البيت”.

ويضيف “كان الدافع الأساس لي للسعي لشراء البيت هو الغيرة المهنية على منزل بقيمة بيت يكن، ولقناعتي الكاملة بأن التراث هو شيء حي وليس مادة جامدة أو مجرد أحجار مصمتة، فهذا البيت قيمته أكبر بكثير من كونه مجرد بناء، وبيوت القاهرة الشبيهة بهذا الطراز كثيرة ومنتشرة في المنطقة وبعضها أصبح مسجلاً كأثر ومستغلاً بالفعل في نشاطات متنوعة مثل بيت السحيمي، وبيت الهراوي وبيت زينب خاتون، وكثير منها يحتاج إلى مبادرات لإعادة إحيائه باعتباره جزءاً من التراث الثقافي للمكان”.

شراء بيت بهذا الحجم وفي حالة كتلك، يحتاج إلى مجهود وإجراءات كثيرة ليعود إلى سابق عهده، ويعد مغامرة كبيرة، فماذا كانت أهم التحديات والصعوبات التي واجهها مشروع الترميم خلال مراحله المتعددة؟

يجيب الحبشي عن السؤال قائلاً “كان لديَّ تحديان رئيسان؛ الأول هو ترميم البيت وإعادته إلى هيئته بعد سنوات طويلة عانى فيها الإهمال، والثاني هو فتح هذا البيت للمجتمع ليؤدي دوراً تنموياً للناس في البيئة المحيطة وغيرها، ذلك الدور الذي كانت تؤديه هذه المنازل قديماً، وهو ما سعينا بالفعل للقيام به في بيت يكن، وهو أن نكون جزءاً من المجتمع المحيط، نتفاعل مع الناس ويأتي إلينا أهل المنطقة باعتبارنا جزءاً منهم”.

ويضيف “واجهنا صعوبات أثناء البدء في عملية الترميم بعدم فهم الناس لما نفعله وما نهدف للوصول إليه، بخاصة أن مثل تلك المناطق تشكل مجتمعاً مغلقاً يعرف أفراده بعضهم جيداً، وبالتالي أي شخص جديد يحتاج إلى كسب ثقة الناس من حوله، وبمرور الوقت نجحنا في ذلك وأصبحنا جزءاً من المكان، وأدرك الناس أهمية ما نفعله وقيمته، من تحويل مكان مهمل إلى واحد من البيوت الأثرية العريقة في القاهرة، بعدما عاد إليه رونقه، حتى إن أهل المنطقة أصبحوا يطلقون عليه القصر”.

طراز معماري فريد ميز بيوت القاهرة القديمة، ليس فقط كشكل جمالي لكن كطبيعة وظيفية لهذه البيوت، فالمعمار ليس مجرد حجر ولكنه فلسفة لطبيعة الحياة وشكلها في مجتمع معين، يقول الحبشي “هذا الطراز من بيوت القاهرة ذات الأفنية الواسعة دائماً ما كانت ذات صلة وثيقة بالمجتمع المحيط، فمفهوم هذه البيوت كان قائماً على أن البيت ذاته لأصحاب البيت والفناء يكون للمجتمع، حيث تقام فيه التجمعات واللقاءات، وكان أشبه بمفهوم النادي في عصرنا الحديث، وهذا هو المفهوم الذي عملنا على إعادة إحيائه، فأعدنا المجتمع لفناء البيت من خلال فعاليات ثقافية وتنموية للجمهور العام ولأهالي المنطقة بشكل خاص، فالبيت أصبح مفتوحاً للمجتمع وتحول إلى ملتقى فني وثقافي يعكس تراث الدرب الأحمر”.

ويضيف “حرصنا بشكل عام في اختيار الفعاليات التي تقام في بيت يكن على أن تعكس طابع المكان وتاريخه، والحرف التراثية المميزة له على مر الزمن، والعمل على إعادة إحيائها هي الأخرى من خلال ورش العمل والمعارض، فأقمنا فعاليات تعنى بالحرف التراثية، مثل الخيامية والنجارة وغيرهما كثير، وكنا دائماً حريصين على وجود فناني الدرب الأحمر للمشاركة في الفعاليات المختلفة وعرض أعمالهم وإنتاجهم، كما نظمنا العديد من ورش العمل للكبار والصغار على السواء”.

وعن أمنياته للمستقبل، يقول صاحب بيت يكن “أرجو أن تكون تجربة بيت يكن دافعة وملهمة لآخرين للقيام بالفعل نفسه في بيوت أخرى، فالقاهرة القديمة زاخرة بمثل هذا النوع من المباني، ويمكن أن تستغل بشكل ينعكس وينفتح على المجتمع بشكل إيجابي، إلى جانب الحفاظ على قيمتها التاريخية، إضافة إلى تحولها إلى نقطة جذب للسياحة الثقافية في المنطقة”.

ويضيف “من جانب آخر وبحكم تخصصي، أتمنى أن يكون هناك تخصص يهتم بتعامل المعماري مع المباني التاريخية، فترميم هذه المباني أو أي إجراء فيها، يختلف تماماً عن أي مبنى عادي، ولا بد أن يؤهل المعماريون لذلك، سواء من ناحية الجوانب الفنية، أو من ناحية إدراكه لقيمة المكان وأبعاده التاريخية والتراثية وأهميته للمجتمع ككل”.

زينب غازي

صحفية بجريدة بوابة مصر الإخبارية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى