ابراهيم سلطان الفردى ليس كل ما يعرف يقال

من جميل ما يُروى عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قوله: «ليس كل ما يُعْرَف يُقال، وليس كل ما يُقال حَضَرَ أهلُه، وليس كل ما حَضَرَ أهلُهُ حان وقته، وليس كل ما حان وقته صَحَّ قوله».بدايةً، وقبل أن أتوسّع في الحديث في ضوء هذه المقولة الرائعة، يهمني التأكيد على حقيقة لا بد من بيانها، والاتفاق عليها، حتى لا يُساء فَهْمٌ أو يُشوَّه معنى فكرة، فحب الوطن متأصلٌ في نفوس أبنائه، وخلال السنوات القليلة المنصرمة، والتي حفلت بالكثير من الأحداث والتحديات.رأينا جميعاً مقدار حب أهل مصر لبلادهم، وحرصهم على أمنها، ووقوفهم غير المشروط خلف ولاة أمرهم، هذا الأمر هو أهم بكثير من كل المنجزات المادية، فالإنسان هو عماد أي وطن، وأساس كل مدنية، فإنْ صَلُحَ اشتد عود الوطن، وأينعت أوراقه، وإنْ خَبُثَ تردى وطنه إلى عالم الفشل أبناء مصر أوفياء لبلادهم ،كما ورثوا ذاك من آبائهم وأجدادهم، وكما سيورّثون هذا لأبنائهم وأحفادهم بإذنه تعالى، وهذا الحب والوفاء والحرص، ليس محل نقاش، ولا مدار مساومة أو موضع تشكيك، فتماسك اللُّحْمة الوطنية وتناغم النسيج المجتمعي للدولة، أمرٌ يُثلِج الصدور، ونحمد الله عليه، ونغبط أنفسنا به.وما دامت القلوب متفقة، فإنّ البناء متماسك، وما دام في نفوسنا مساحات لتقبّل اختلاف وجهات النظر التي لا تؤثر في سلامة الوطن وأمنه، فإننا بخير، فالاتفاق التام في الآراء مستحيل، والتـــماثل الكامل للفهم غير متوقع، والمهم أن تتسع قلوبنا لكي تعذر إخواننا إنْ أخطؤوا، ونتبيّن الأمور قبل أن نُفصِح عن بعض الوقائع التي يكون التروّي فيها هو الأجدر من المسارعة بها!من المعلوم أنّ شريعتنا الغرّاء، جاءت لتحقيق المصالح، وتعطيل أو تقليل المفاسد، فإن وُجِدَتْ مصلحتان، أُخِذَ بالأعلى مصلحة منهما، وإنْ بانت مَفْسَدَتان، دُفِعت الكبرى لِعظم ضررها، وكما تُقرّر القاعدة الفقهية الشهيرة، فإنّ درء المفاسِد مُقدَّمٌ على جلب المصالح.وفي الحديث المُتّفق عليه لنبينا صلى الله عليه وسلم، مع مُعاذ، ما يُوضّح هذا المبدأ، عندما قال له: «حَقُّ الله على العباد، أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحَقُّ العبادِ على الله، أنْ لا يُعَذِّبَ من لا يشرك به شيئاً»، فقال معاذ رضي الله عنه: أفلا أُبَشِّر الناس؟.كانت معلومةً عظيمة وبشارة كبيرة، ورأى معاذ أنّ من المهم أن يُفرّح الناسَ بهذا الأمر الذي لا يسعه كتمانه، فكان رده صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك، عندما قال «لا تُبَشِّرهُمْ فَيَتّكِلُوا»، فمعلومة كتلك، ستجعل الناس أو كثيراً منهم يتراخون عن العبادات، ويتوانون عن الكثير من أعمال الخير والتراحم والتعاون.