إنجازات ملموسة فى العديد من ملفات السياسة الخارجية فى الفترة الأخيرة
فى هذه الأيام تستحق الدولة المصرية، أن نوجه لها التحية على ما حققته من إنجازات ملموسة فى العديد من ملفات السياسة الخارجية فى الفترة الأخيرة، ونأمل أن يتكلل هذا النجاح بالهدف الوجودى، الذى ينتظره جميع المصريين، وهو الحفاظ على حقوق مصر المائية.الجهد الهائل المبذول فى الملفات الخارجية منذ عام 2014، أمكن أن نرى ثماره تتحقق فعليا. ومثلما نلوم الحكومة المصرية على بعض السلبيات، فواجب علينا أن نحييها على الإيجابيات.النجاح الأول كان فى الملف الليبى بإعلان مصر خطها الأحمر فى سرت والجفرة، صيف العام الماضى، مما أدى إلى تغيير المعادلة، ومنع سيطرة الميليشيات المتطرفة من الوصول لحدودنا الغربية.التغير فى ليبيا، حدث لأسباب عديدة، لكن الخط الأحمر المصرى، كان عاملا مهما لإعادة تذكير اللاعبين الدوليين والإقليميين، بأن هناك مصالح مصرية لا ينبغى تجاهلها، ثم جاء التحرك الدولى واختيار حكومة عبدالحميد الدبيبة ودعم مصر لها، ليمهد لحل شامل، ما لم تتعثر المصالحة مرة أخرى.الملف الثانى هو نجاح مصر فى فرض وجهة نظرها فى الصراع الدائر فى منطقة شرق البحر المتوسط. نتذكر جميعا أنه بعد اكتشافات حقول الغاز الضخمة فى المنطقة خصوصا حقل ظهر المصرى، تحرك أكثر من لاعب دولى وإقليمى، للحصول على جزء من الكعكة، ثم استعر الصراع التركى مع كل من قبرص واليونان، على تعيين الحدود البحرية، وبعدها فوجئنا بأن تركيا وقعت اتفاق ترسيم حدود بحرية مع حكومة الميليشيات السابقة فى ليبيا بقيادة فايز السراج لفرض أمر واقع على بقية دول المنطقة. لكن التحرك المصرى المكثف نجح فى حشر تركيا فى زاوية ضيقة بمساعدة من اليونان وقبرص وفرنسا، ولاحقا انضمت دول عربية أخرى خصوصا السعودية والإمارات والأردن. وتم إنشاء «منتدى الغاز»، من دول المنطقة ومراقبين آخرين، ثم تكوين «منتدى الصداقة» وهو ما جعل تركيا تشعر بالعزلة الكاملة.الملف الثالث هو العلاقات مع تركيا، ونعلم جميعا أن تركيا اعتبرت ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، غير شرعية ووصفتها بأنها مجرد انقلاب، ثم قدمت كل أنواع الدعم لجماعة الإخوان إعلاميا وماليا وسياسيا، لكن كل ذلك انتهى هذه الأيام بأن تركيا هى التى تسعى بكل الطرق لخطب ود مصر، وإعادة العلاقات الطبيعية معها بالشروط المصرية. المعنى المهم لما حدث فى هذا الملف أن تركيا تقر الآن وبصورة لا لبس فيها بشرعية النظام المصرى، إضافة إلى تأكدها من عدم الرهان على ورقة الإخوان.العلاقات مع تركيا طوال السنوات الماضية لم تكن متوقفة بالكامل، بل استمرت كما هى اقتصاديا، ومصر لم تبادل تركيا الاستهداف والعداء السافر، بل حافظت على العلاقات الاقتصادية والشعبية، وهى الآن ترفع شعار «نريد أفعالا لا أقوالا»، والهدف «تصويب المسار» فى كل جوانب العلاقات لمصلحة الشعبين. لكن من المهم الإدراك أن ما حدث ويحدث ليس استئنافا للعلاقات حتى هذه اللحظة، بل مجرد بادرة لاستكشاف المستقبل، ويتوقف الأمر على ترجمة التصريحات التركية الوردية إلى أفعال على أرض الواقع.ويستحق القائمون على إدارة هذا الملف مصريا كل التحية لأنهم أظهروا فعلا كم أن مصر دولة كبيرة، وقادرة على إثبات صحة مسارها بعد أن شكك كثيرون فى ذلك.ارتباطا بهذا الملف، فهناك أيضا الملف القطرى، ومعلوماتى أن هناك تحسنا مطردا فى العلاقات، لكن الجزء الإعلامى لم يحسم.يحسب لمصر أيضا أنها استطاعت تحسين العلاقات مع السودان الشقيق، وهو واحد من النجاحات الاستراتيجية جدا، لأن العلاقات الطيبة مع السودان عامل مهم، لتقوية الموقف المصرى فى قضية سد النهضة، ويرتبط بذلك أيضا تحسن العلاقات مع كل من كينيا والكونغو وجنوب السودان وتوقيع اتفاقات مع أوغندا وبوروندى.من جوانب النجاحات الخارجية أيضا استمرار العلاقات الجيدة ــ إلى حد ما ــ مع كل من السعودية والإمارات، والتنسيق الثلاثى مع الأردن والعراق، والأخير تخطو حكومته خطوات ملموسة لاستعادة دورها العربى المستحق.هناك أيضا علاقات قوية مع كل من الصين وروسيا وفرنسا، وعلاقات قوية اقتصاديا، وهادئة سياسيا، مع غالبية البلدان الأوروبية المؤثرة مثل ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، ويبقى استكشاف ما تفكر فيه إدارة جو بايدن الجديدة.كل ما سبق نجاحات تستحق التحية، وحينما نقول نجاح الدبلوماسية المصرية، فلا نقصد به وزارة الخارجية فقط ولها كل التحية والتقدير، ولكن مجمل الإدارات والمؤسسات المصرية من أول الخارجية إلى الأجهزة الأمنية والحكومة بوزاراتها المختلفة، نهاية برئاسة الجمهورية.ومرة أخرى ننتظر بفارغ الصبر، اليوم الذى يطمئن فيه المصريون إلى تمكن الدولة من حسم ملف سد النهضة بما يحفظ الحقوق المائية المصرية.