ابراهيم سلطان الفردى ملاحظات على جلسة السد
أيا كان الموقف الذى سيتخذه مجلس الأمن الدولى، عند التصويت على مشروع القرار التونسى الخاص بسد النهضة الإثيوبى، إلا أن الجلسة التى عقدها المجلس مساء الخميس كانت مهمة جدا فى توضيح الحقائق وتعريف العالم بالمخاطر الحقيقية التى يمثلها السد على شعبى مصر والسودان.هناك ملاحظات أولية على جلسة مجلس الأمن، التى أظهرت مواقف دولية مختلفة ومتباينة، ربما مثل بعضها مفاجأة «غير سارة» للقاهرة، ويتطلب منها العمل فى الفترة المقبلة على معالجة القصور فى العلاقات مع تلك الدول التى لم تتفاعل جيدا مع قضيتها، فيما مثلت غالبية المواقف الأخرى نوعا من الدعم أو على الأقل التفهم للشواغل المصرية السودانية من السد الإثيوبى.الملاحظة الأولى: كلمة سامح شكرى وزير الخارجية، جاءت حادة وقوية ومرتبة بدرجة كبيرة، وعرضت بوضوح الموقف المصرى بشكل لا لبس فيه، وكشفت عن حجم المراوغات الإثيوبية فى التفاوض منذ عشر سنوات، ووضعت أمام مجلس الأمن «خطوط مصر الحمراء» على نحو جاد وبلغة حاسمة وحازمة؛ حيث قال: «إثيوبيا تتوهم إمكانية هيمنتها على نهر النيل، ومصر تحذر من مغبة السعى لفرض السيطرة والاستحواذ على مياه النهر.. وفى حال أصرت أديس أبابا على موقفها لن يكون أمام مصر بديل سوى أن تصون حقها فى البقاء».الملاحظة الثانية: كلمة مريم المهدى، وزيرة الخارجية السودانية، تعد تطورا لافتا فى الموقف الذى تتبناه الخرطوم خلال الفترة الأخيرة إزاء المخاطر الحقيقية التى يمثلها سد النهضة، وأكثر اقترابا من الموقف المصرى، وهو ما يجعله أكثر قوة فى مواجهة أديس أبابا التى تحاول دائما استمالة السودان وإبعاده عن مصر لكى تفقد الأخيرة التعاطف الدولى مع قضيتها.الملاحظة الثالثة: كلمة وزير الرى الإثيوبى سيليشى بيكيلى، امتلأت كما كان متوقعا، بالكثير من المغالطات التى لم تجد آذانا صاغية أو تفهما كبيرا عند غالبية أعضاء مجلس الأمن، وحاولت بشكل أساسى إبعاد المجلس عن نظر القضية، بزعم أن مناقشته لها تمثل «إهدارا للوقت»، وأن المكان المناسب لمعالجتها هو الاتحاد الأفريقى، وأن «مصر والسودان لديهما العديد من السدود دون مراعاة حقوق الأطراف الأخرى!!».الملاحظة الرابعة: كلمة ليندا جرينفيلد، المندوبة الدائمة للولايات المتحدة الأمريكية بمجلس الأمن، اتسمت بنوع من التفهم للمطالب المصرية؛ حيث دعت إلى «الامتناع عن القيام بأى إجراءات تعقد مفاوضات سد النهضة»، وشددت على «ضرورة استئناف مفاوضات حقيقية تحت قيادة الاتحاد الأفريقى على أن تبدأ على نحو عاجل». هذا الموقف يعكس إلى حد بعيد تطور العلاقات بين القاهرة وواشنطن بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة، خصوصا بعد الدور الذى لعبته مصر فى وقف العدوان الإسرائيلى على غزة، وتمكنها من تحقيق الهدنة بين الطرفين، رغم الجفاء الذى كان ظاهرا للبعض منذ تولى جو بايدن مهام منصه كرئيس للولايات المتحدة.الملاحظة الخامسة: المواقف التى عبرت عنها الدول الأوروبية خلال الجلسة، مثل فرنسا وبريطانيا والنرويج، كانت متوازنة إلى حد كبير؛ حيث طالبت بوقف الإجراءات الأحادية والعودة إلى مفاوضات جادة لحل هذه الأزمة، وأن هناك حاجة ملحة لخارطة طريق واضحة ومتفق عليها تحدد أهداف مفاوضات سد النهضة وإطارها الزمنى، وهو ما يعكس إلى حد كبير تفهما أوروبيا لرؤية القاهرة، وخشية من أن تتخطى مخاطر هذا السد حدود مصر، بما يشجع مرة أخرى مسألة الهجرة غير الشرعية التى تمكنت مصر من وقفها بشكل تام خلال الفترة الأخيرة.الملاحظة السادسة: الموقف الذى عبرت عنه روسيا خلال مجلس الأمن، كان غريبا إلى حد كبير، حيث حاولت توجيه رسالة واضحة لمصر بعدم التلويح باستخدام القوة فى منع التهديد الذى تمثله أديس أبابا على وجودها، وهو أمر كان مفاجأة للبعض، لاسيما وأن العلاقات بين البلدين تتمتع بنوع من الدفء والتفاهم فى الكثير من الملفات، كما أن روسيا تعد من أكثر الدول التى استفادت من مصر اقتصاديا، سواء فى صفقات الأسلحة الكثيرة التى تم عقدها خلال الفترة الماضية، أو فى مشروع الضبعة النووية الذى تبلغ قيمته عشرات المليارات من الدولارات!!.هذه ملاحظات أولية على جلسة مجلس الأمن الدولى، والتى يجب على القاهرة دراسة نتائجها وتقييمها بدقة، حتى تحدد خطواتها المستقبلية وعلاقاتها مع مختلف دول العالم، خصوصا من يدعمها فى قضاياها المصيرية، أو على الأقل من يتفهم مشاغلها ويقدرها ولا يقف حجرة عثرة أمام حقوقها التاريخية.