مصر دولة كبيرة ولا يليق بنا أن نقلق
هل يمكن أن نلوم عموم المصريين لأنهم يشعرون بقلق شديد من تطورات قضية سد النهضة، أم أن هذا أمر طبيعى نظرا لخطورة القضية على حاضر المصريين ومستقبلهم؟!ظنى أن قلق المصريين مشروع تماما، وكلمة «مشروع» استخدمها الرئيس عبدالفتاح السيسى، مساء الخميس الماضى، حينما ارتجل كلمة على هامش الاحتفال بإطلاق مبادرة حياة كريمة فى استاد القاهرة. الرئيس ليلتها تحدث باستفاضة عن قضية سد النهضة، وفى مسألة القلق قال نصا: قلق المصريين بخصوص موضوع سد النهضة قلق مشروع، لكن مصر دولة كبيرة ولا يليق بنا أن نقلق».مرة أخرى أعذر أى مواطن مصرى يشعر بالقلق، فهذا شعور إنسانى طبيعى جدا، بل إن عدم القلق فى مثل هذه القضايا هو أقرب إلى التبلد الإنسانى.والذى يبدد القلق هو أن يتم إزالة أسبابه. الرئيس السيسى حينما تحدث مساء الخميس ساهم إلى حد كبير فى تهدئة مخاوف المصريين حينما قال بكلمات لا لبس فيها «المساس بأمن مصر القومى خط أحمر ولا يمكن اجتيازه، شاء من شاء، وأبى من أبى، وممارسة الحكمة والجنوح للسلام، لا تعنى بأى شكل من الأشكال السماح بالمساس بمقدرات هذا الوطن، ولدينا فى سبيل الحفاظ عليه خيارات متعددة، نقدرها طبقا للظروف والمواقف، ومصر لديها قدرة عسكرية تمكنها من حماية مقدراتها وإنفاذ إراداتها».كلام الرئيس كان قاطعا، وبالتالى فأغلب الظن أن من استمع إليه من المصريين تبدد معظم أسباب قلقه.لكن ما الذى جعل المصريين يشعرون بالقلق بهذه الصورة؟!الأسباب كثيرة لكن فى مقدمتها أنها قضية حيوية وجوهرية ووجودية، وتتعلق بحياة كل مصرى ومستقبله ومستقبل أولاده وأحفاده.السبب الثانى أن وسائل الإعلام المصرية ومعها بعض المصريين مسئولون عن هذه الحالة.المواطن المصرى البسيط ليس خبيرا فى شئون الموارد المائية والسدود والأمطار أو الجفاف، لكن كل ما يشغله هو ضمان تدفق مياه النيل إلى مصر، بنفس وتيرتها منذ أن عرف المصريون الحياة، وصاروا أقدم وأهم دولة مركزية فى العالم، لسبب جوهرى وهو تنظيم مياه النيل، وإدارة موارد النهر بصورة جيدة.المواطن المصرى العادى بدأ يهتم بالقضية لأن وسائل الإعلام وبعض المسئولين قالوا له بوضوح إن هناك مشكلة خطيرة تهدد حقوقنا المائية.على سبيل المثال فإن وزير الرى الدكتور محمد عبدالعاطى قال يوم ٢٨ مارس الماضى فى حوار مع الإعلامى الكبير عمرو عبدالحميد على قناة «سكاى نيوز عربية»: «إنه فى حال نقصان حصة مصر بمليار متر مكعب، سيعنى ذلك عدم رى ٢٠٠ ألف فدان وهو ما يعنى تأثر ٢٠٠ ألف مزارع أى ٢٠٠ ألف أسرة، وبالتالى حوالى مليون مواطن.فى نفس الحوار المهم قال عبدالعاطى إن حدوث ذلك سيعنى أن المزارعين سيكونون أفقر شريحة فى المجتمع، وقد يلجأون لهجرة غير شرعية، بل قد تكون هذه الفئة فريسة سهلة للجماعات المتطرفة، وهناك ٤٠ مليون مصرى يعتمدون فى دخلهم الأساسى على الزراعة».غالبية وسائل الإعلام خاطبت المواطنين، وقالت لهم إن هناك مشكلة كبيرة. هذه الوسائل صعدت بهم إلى أسقف عالية جدا، وبالتالى فإن هؤلاء اعتقدوا أن الحرب لابد أن تتم وبسرعة حتى نحافظ على حقوقنا.وبالطبع فإن هناك وسائل إعلام خارجية ومتربصة بالوطن، لعبت دورا غاية فى السلبية لإثارة الرأى العام ضد بلده ونظامه، وهدفها واضح، وهو إغراق البلد فى أى مشكلة ضخمة، قد تتيح لمن يشغلهم العودة للمشهد مرة أخرى.كان يفترض بوسائل الإعلام الوطنية ومعها المسئولون الذين يتحدثون ليل نهار فى القضية أن يكون لهم تصور علمى مدروس، يقدم للناس الحقائق بهدوء ويطلعهم على الاحتمالات المتعددة، حتى يكون الرأى العام ظهيرا للدولة فى هذه القضية الحيوية جدا، بدلا من أن يكون قلقا ومرتبكا، وبالتالى يتحول إلى نقطة ضغط على الدولة وليس عامل قوة.وإذا كان الرئيس السيسى قد نزع جانبا كبيرا من عوامل قلق المصريين، فإن وسائل الإعلام وبعض المسئولين يتحملون مسئولية كبيرة جدا فى تأرجح وتقلب المصريين بين التصعيد والتهدئة.خلاصة الأمر فإن ما حدث كان درسا مهما نبهنا لكيفية التصرف فى أى قضايا مستقبلية مماثلة