ابراهيم سلطان الفردى مخاطبة السفهاء في القرآن لمحة تدبر
قال تعالى “سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم” البقرة آية 142.أن تجتمع سفاهة الرأي وتفاهة التفكير مع الكفر والضلال في شخص ما؛ إن هذا من أشد المصائب عليه، بحيث يجب أن يقابل بالتنبيه بل وبالتقريع في بعض الأحيان.
وقد استحق أهل العقول المدح حتى إن كانوا كفاراً فقال الرسول صلى الله عليه وسلم “الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا” أخرجه مسلم في صحيحه وقال لخالد بن الوليد عند إسلامه “كنت أرى لك عقلاً رجوت ألا يسلمك إلا إلى خير” ذكره الواقدي في المغازي
.والسفه المذكور في الآية معناه كما قال العلماء: الخفة وانعدام الرزانة في التفكير والسلوك.والسفيه كما قال الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسيره: “من صار السفه له سجية، وأما سبب نسبتهم إلى الناس مع ان هذا معلوماً بالبداهة إنما كان لبيان المبالغة في وصفهم بالسفه بحيث وكأنه لا يوجد في الناس سفهاء غيرهم فقد بلغوا الحد الأقصى في السفاهة”.
وقال الرازي في تفسيره معللاً وصف الله تعالى لهؤلاء بالسفه أن ذلك لوجوه أحدها ان من أعرض عن الدليل ثم نسب المتمسك بالدليل إلى السفاهة فهو السفيه.
الوجه الثاني: أن من باع آخرته بدنياه فهو السفيه، الوجه الثالث أن من عادى محمداً عليه الصلاة والسلام فقد عادى الله فهو السفيه ولا شك أن من لا يميز بين ما له وما عليه ويعدل عن طريق منافعه إلى ما يضره فإنه يوصف بالخفة والسفه، وأن من اجتنب الرأي الواضح في أمر دنياه يعد سفيهاً فمن كان كذلك في أمر دينه يكون أولى وأحق بهذا الوصف لأن الخطأ في باب الدين أعظم مضرة منه في باب الدنيا، ولان كل بعيد عن الحق سفيه.
فهؤلاء السفهاء تجدهم وبدلاً من المحاورة العقلية للحقائق والدلائل الواضحة التي لا تتغير ولا تتبدل ولا تقبل النسخ أو التعديل، وبدلاً من الاستماع لها والنظر فيها لعلهم ينتفعون بها، إذا بهم يبتعدون عن ذلك ويشاغبون بالكلام عن أمور شكلية وشعائر قابلة للتغيير والنسخ بحسب الحكمة التي يشاؤها المشرع ما دام المشرع حياً والوحي يتنزل .ومن ذلك ما ذكر في هذه الآية من شغبهم في أمر تحويل القبلة فقالوا “ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها” لذا كان الأمر الإلهي لرسوله أن يجيبهم مبكتاً لهم “قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم”.