من المضحك المبكى أن يخرج علينا مسئول إسرائيلى ليتهم روسيا بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين فى أوكرانيا
من المضحك المبكى أن يخرج علينا مسئول إسرائيلى ليتهم روسيا بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين فى أوكرانيا!
حينما قرأت تصريح يائير لابيد وزير الخارجية الإسرائيلى يوم الأربعاء الماضى، وهو يغرد على «تويتر» مهاجما ومنتقدا روسيا بأنها ارتكبت جرائم حرب فى مدينة بوتشا الأوكرانية، لم أكن أعرف هل أضحك أم أبكى، لكن وبعد دقائق قرأت تحليلا على موقع «روسيا اليوم» للكاتب رامى الشاعر يصف فيه تصريح لابيد بأنه «مهزلة القرن».
وهو عنوان يعبر إلى حد كبير عن الواقع.
فى هذه السطور لا أناقش هل وقعت جرائم حرب فى بوتشا، أو حتى فى عموم أوكرانيا منذ دخول القوات الروسية إليها أم لا، وهل ما يتردد هو حقيقة حدثت أم بفعل قوة وسائل الإعلام الغربية؟!
وظنى بالطبع أن كل حرب تحفل بالجرائم المتنوعة من أول الهلع مرورا بالتهجير نهاية باحتلال الأرض وإبادة الناس، لكن اليوم أنا مهموم فقط بتفنيد عظة يائير لابيد، حينما ينتقد روسيا وينسى جرائم كيانه فى فلسطين والأراضى العربية المختلفة منذ حدوث النكبة فى مايو ١٩٤٨ وحتى هذه اللحظة وهى الجرائم التى شاركت فيها أجيال من أسرته بالصمت أو التبرير أو التواطؤ، والده كان وزيرا للعدل، ونعرف جميعا ماذا تعنى كلمة العدل فى إسرائيل، ووالدته كاتبة روايات بوليسية، وهو عمل صحفيا وكاتبا ومقدما للبرامج التلفزيونية.
ما يحزن أن الجرائم والمذابح الفردية والجماعية الإسرائيلية مسجلة ويعلمها القاصى والدانى، بل اعترف بها مسئولون إسرائيليون كثيرون، لكن أن يخرج لابيد فى ثياب الواعظين، فالمعنى أنه يراهن على أن ذاكرة الناس ضعيفة، وأنه يحاول زرع وتكريس واقع جديد مزيف خصوصا فى عقول الأجيال الجديدة، التى ربما ليست مهتمة بمعرفة تاريخ الجرائم الإسرائيلية بحق الشعوب العربية.
يقول لابيد فى تغريدته: «إن العالم يواجه أوقاتا صعبة، بينما تغزو دولة قوية جارتها الضعيفة، ومجددا تمتص الأرض دماء الأبرياء، وأن القوات الروسية تنفذ جرائم حرب ضد المدنيين».
مرة أخرى من حق الأوكران أن يتهموا الروس بارتكاب جرائم حرب، ومن حق الروس أن ينفوا ويتهموا الغرب بأكمله بأنه ينفذ ضدهم حملة تشويه وشيطنة ممنهجة، وإلى أن تظهر الحقيقة، فمن حق كل عربى وكل إنسان سوى أن يذكر الجميع بالجرائم ضد الإنسانية التى ارتكبتها وماتزال ترتكبها إسرائيل بحق العرب أجمعين وليس المدنيين منهم فقط.الأوكران يعيشون أوضاعا صعبة جدا بالفعل منذ نحو شهر ونصف الشهر، لكن الفلسطينيين يعيشون هذه الأوقات الصعبة منذ عام ١٩٤٨.روسيا تقول إنها تدافع عن أمنها القومى، لكن الإسرائيليين يخالفون كل قرارات الشرعية الدولية منذ عقود ويرفضون مجرد الاعتراف بحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس طبقا لهذه الشرعية الدولية.فى ٩ إبريل ١٩٤٨ قامت منظمة «أراجون» التى كان يتزعمها رئيس الوزراء فيما بعد مناحم بيجن ومنظمة شيترن ليحى بزعامة إسحق شامير بارتكاب مذبحة دير ياسين قرب القدس وقتلوا ٢٦٠ فلسطينيا من الأهالى العزل.
وفى ٣ نوفمبر ١٩٥٦ فتح الصهاينة النار على سكان مخيم خان يونس بغزة وقتلوا ٢٧٥ فلسطينيا.وفى ١٨ إبريل ١٩٧٠ ارتكبت الطائرات الإسرائيلية مجزرة بحر البقر بمركز الحسينية بالشرقية ما أدى لاستشهاد ٣٠ طفلا وإصابة ٥٠ آخرين وتدمير المدرسة بكاملها.وفى ١٦ ــ ١٨ سبتمبر ١٩٨٢ ارتكبت مدفعية ومقاتلات الاحتلال مجزرة ومذبحة صابرا وشاتيلا وراح ضحيتها ١٥٠٠ من الفلسطينيين واللبنانيين.وهناك مئات المذابح والمجازر المتفرقة التى ارتكبتها إسرائيل فى الأراضى العربية المحتلة، وهى تحتاج إلى مجلدات لرصدها، لكن تظل الجريمة الأكبر هى استمرار احتلالها للضفة الغربية وحصارها لغزة، واحتلالها للجولان العربية السورية ومزارع شبعا اللبنانية، وعدوانها المستمر على الفلسطينيين ليل نهار، وهجماتها التى صارت روتينية ضد سوريا من دون رادع.
من حق لابيد وبقية المسئولين الإسرائيليين أن يتملصوا من جرائمهم، ومفهوم محاولاتهم لتزييف التاريخ، لكن من المهم أن ينشط العرب فى كل مكان لتوضيح الجرائم الإسرائيلية بطرق ووسائل تصل للناس فى كل مكان.نحن نعيش فى عالم ظالم انتفض لأوكرانيا ودافع عنها فى بضعة أيام، ما لم يفعله للفلسطينيين منذ عام ١٩٤٨.قد لا نكون أقوياء لاسترداد حقوقنا، ولكن علينا على الأقل ألا نسمح بأن تحتل إسرائيل ذاكرتنا، مثلما احتلت أراضينا وأسواقنا العربية.ولا حول ولا قوة إلا بالله.