الغرق فى الشائعات
خطر تداول نصف المعلومة أو جزء من الحقيقة أو زاوية من الصورة أكبر وأفدح من تداول الأكاذيب والافتراءات والشائعات
فنصف المعلومة يحمل قدرا من المنطقة، والجزء المقتطع من الحقيقة يظل حقيقة، والشائعة غالبا تزخر بخلطة سحرية تضمن لنفسها الانتشار ولو إلى حين
وفى عصر الـ«سوشيال ميديا» تنشط أنصاف المعلومات وجزيئات الحقيقة وزوايا دون غيرها من الصورة
وهذه من الآثار الجانبية للـ«سوشيال ميديا»، وهى الآثار التى تتفاقم فى المجتمعات الـ«مأفورة» بالفطرة. هذه المجتمعات عادة تكون مفرطة فى مشاعر الحزن والفرح، التفاؤل والتشاؤم، الحب والكراهية، القابلة لرفع أحدهم سابع سماء ثم خفسه سابع أرض. وهذه المجتمعات حين تبتلى بتوافر الأدوات مع عدم وجود قدر كاف من الوعى عن ماهية هذه الأدوات وكذلك فى ظل توافر الوقت اللامحدود والذى يساعد على الإغراق فى استخدامها، يتحول المشهد إلى ما نحن عليه من فوضى غير خلاقة على أثير العنكبوت
فعليا، أى أحد يستطيع قول أى شىء فى أى وقت دون أن يفكر مرة وليس مرتين فيما يقول أو فى أثره على من يقرأ أو يشاهد ورد فعله.وهذا لا يعنى، بأى حال من الأحوال، المنع أو الحجاب أو فرض رقابة الستينيات، لأن كل ما سبق بمنتهى البساطة عديم الفائدة فى ظل الثورة الرقمية التى نعيشها بحذافيرها. ومن سمات هذه الثورة أن من يغلق بابا يُفتح أمامه 50 بابا بديلا. والحل أيضا- فى رأيى المتواضع- عدم إهدار الوقت والجهد والمال فى تفنيد كل ما يتم إطلاقه من أنصاف معلومات أو جزيئات حقيقة أو زوايا بعينها من الصورة. فهذا يكون كمن يحاول أن يقف فى وجه فيضان بجسده
الحل المنطقى والمستدام هو العمل على علاج أسباب الفيضان. إنه الطريق الأطول والأصعب، لكنه الوحيد المُجدى. ومع كامل الاحترام للمحاولات التى تبذل لدحض ما يتم تداوله من «شائعات»، وهى جهود يستحق كل المنخرطين فيها الشكر والتقدير، إلا إنها لا تتعامل مع المنبع وتكتفى بالركض خلف الآثار
كما أنها غير مستدامة وباهظة الكلفة، وأخشى أن تساهم، دون قصد، فى إثراء وإنعاش أجواء الشائعات
الشائعة أشبه باللغم. كلفة تركيب لغم ثلاثة دولارات. كلفة إزالة لغم 300 دولار
كلفة ساق أو قدم طبيعية لا تقدر بمال وغير متاحة من الأصل ما إن ينفجر اللغم فى أحدهم ما الحل إذن توفير المعلومات كاملة
عرض الحقائق بشفافية تبسيط المعلومات والحقائق دون الانتقاص من مصداقيتها وكمالها، مع عرض الصور كاملة حيث الرد على الصورة ذات الزاوية الواحدة المضللة بعرض زاوية أخرى واحدة أيضا يكون كمن فسر الماء بالماء.
والمطلوب أيضا ليس «تغليظ» العقوبات بل تنفيذ الموجود منها. وكلمة أخيرة، الشعوب المنخرطة فى العمل لا يتبقى لديها من الوقت والجهد ما يتيح لها الغرق فى «الشائعات».