كتب – زينب غازي
إنطلقت نشأة فن السينما في مصر مع ظهورها في العالم بمدة قصيرة، جاء العرض السينمائي الأول في مدينة الإسكندرية بفارق أقل من عامين على العرض الأول في باريس 1895، حيث تم عرض شرائط الأخوة «لوميير» في بورصة طوسون (محطة الرمل حاليا) وتم عرض نفس الشرائط بالقاهرة في نفس العام.
وكانت السينما وقتها وثائقية عبارة عن مشاهد تم تصويرها بالتقنية المتحركة للصور لبعض المشاهد المرتبة ذات الصلة بموضوع معين؛ تصوير أحد المظاهر الاجتماعية أو مشهد طبيعي أو التصوير الإخباري.
ويمكن القول بأن البداية الحقيقية للسينما المصرية عام 1907، من خلال «عزيز بندرلي» و«امبرتو ملا فاس»، حيث نجحا في خوض أول تجربة مصرية في التصوير والإخراج و التحميض والطباعة بأموال مصرية، وتم العرض داخل مصر، وتمثلت هذه التجربة في الفيلم الإخباري «زيارة جناب الباب العالي للمعهد العلمي في مسجد سيدي أبو العباس»، وتم الإنتاج بموافقة من الخديوي «عباس حلمي الثاني» حاكم مصر آنذاك.
وجاءت المرحلة الأولى في سينما اليوم وهي السينما الروائية الطويلة من خلال فيلمي «قبلة في الصحراء» 1927، والثاني من نفس العام فيلم «ليلى» إخراج «إستيفان روستي». كما شهدت تلك الفترة أول فيلم روائي مأخوذ من عمل أدبي وهو فيلم «زينب» للمؤلف «محمد حسين هيكل» عن روايته المنشورة 1914، والتي نجح في تحويلها لعمل فني المخرج «محمد كريم» والفنان «يوسف وهبي» والذي تولى الإنتاج.
وتقدمت مصر وعرض فيلم «أولاد الذوات» من بطولة «يوسف وهبي» و«أمينة رزق» وبعده فيلم «أنشودة الفؤاد»، وهناك بعض الآراء تفيد بأن هذا الفيلم بدأ تصويره قبل «أولاد الذوات»، إلا أن الثاني تم عرضه أولا وعرض بعد شهر واحد من عرض «أولاد الذوات».
ويمكن القول بأن دخول الغناء في عالم السينما المصرية كان علامة فارقة أدت إلى تحول الاهتمام تدريجيا من المسرح إلى هذا الفن، خاصة مع إمكانية مزجه باللون الغنائي. كما ساهم في تزايد جمهور السينما بشكل كبير من الجمهور الطربي.
وشهدت السينما العالمية فجرا جديدا وصناعة جديدة بوجوه مختلفة عن تلك التي سادت في المرحلة الصامتة، إلا أن هذا الأمر لم يسرِ على نفس النهج فكان رواد الصناعة هم أنفسهم كمحمد كريم ويوسف وهبي وتوجو مزراحي.
ويعتبر الإنتاج فى هذا الوقت لا يتناسب مع فن وليد. فكما رأينا أن ظهور الأفلام الروائية كان في بدايات الثلاثينيات إلا أنه لا نكاد نشعر بفجوة بين السينما العالمية والمصرية فيكاد الاثنان يسيران بنفس الخطى من حيث الألوان الفنية والموضوعات، فلا نكاد نلحظ فارقًا في الإمكانيات التقنية المستخدمة. ظهور الصوت لم يستغرق سوى أربع سنوات بين أول فيلم ناطق (The Jazz Singer 1928) وبين أول فيلم ناطق بالعربية 1932، أيضا تنوعت الموضوعات المطروحة على الساحة الفنية من التراجيدي والكوميدي الغنائي.
وشهدت فترة الثلاثينيات ظاهرة الإخراج النسائي من خلال أعمال مخرجات مثل «عزيزة أمير» في فيلم «كفري عن خطيئتك»، و«فاطمة رشدي» في «الزواج»، و«بهيجة حافظ» في «الضحايا».
وتنوعت الأفلام فىى السينما المصرية في الثلاثينيات تنوعًا مذهلا في الموضوعات على عكس المتوقع لصناعة وليدة وظهرت ألوان فنية متعددة منها التاريخي كفيلم «شجرة الدر» من إخراج «أحمد جلال» وفيلم «ليلى بنت الصحراء» من إخراج «بهيجة حافظ» كما شهدت أيضًا ظهور أفلام الخيال العلمي كما في «عيون ساحرة»، كذلك ظهر اللون الكوميدي في أفلام «علي الكسار» من خلال ارتباطه بشخصية «عثمان عبد الباسط» والتي قورنت بشخصية المتسول لـ«تشارلي شابلن» فضلا التابلوهات الكوميدية بينه وبين حماته التي تسعى للتفريق بينه وبين زوجته كما في فيلم «الساعة 7» والتي تشابهت إلى حد كبير مع بعض الثنائيات السينمائية كثنائي «لوريل وهاردي» الشهير.
وتميزت السينما المصرية وفي بدايتها بحضورٍ كثيف للجمهور لمشاهدة الفن الغنائي فصار أغلب نجوم الغناء والطرب ذوي الشعبية الكبيرة أمثال محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وغيرهم، فقد حقق الفيلم الغنائي «الوردة البيضاء» 1932 والذي قام ببطولته المطرب محمد عبد الوهاب ومن إخراج محمد كريم أرباحا خيالية بمقاييس هذا الزمن بلغت ربع مليون جنيه، وظل يعرض لسنوات.
ونجد فترة الثلاثينيات و الأربعينيات عرض فيها مجموعة كبيرة جدا من الأفلام دارت أحداثها في الريف وليس في القصور، قدمت صورا صادقة من المجتمع المصري وتفاوتاته الطبقية وناقشت تلك القضية من خلال عدة أعمال أشهرها «العزيمة» 1939 والذي تدور أحداثه بالأساس في الحارة المصرية وقد تم تصنيفه ضمن أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.
وعكست السينما بعد ذلك صورا حقيقية للمجتمع المصري وأبرز مشاكله، ورصد شكل الحياة والمجتمع، و يعاني أغلب الباحثين والمهتمين بالسينما من فقر المكتبة السينمائية من النسخ الخاصة بالأعمال الأولى كـ«أولاد الذوات» و«أنشودة الفؤاد» وغيرهما الكثيروهذا يعنى إن هناك إهمال في الحفاظ على التراث التاريخي الهام في تاريخ مصر الفني.