العفريت يصل المحروسة
كتب – زينب غازي
كانت وسائل المواصلات الشعبية المتوفرة للمصريين هي الحيوانات من أقدم الوسائل البرية التي استخدمها المصري للتنقل من مكان لآخر، سواء للمسافات الطويلة أو القصيرة، حيث استخدم الحمير وعربات “الكارو” الخشبية، وسيلة المواصلات الرئيسية لعامة الشعب، بينما كان الحنطور الذي تجره الخيل أو البغال هو وسيلة الطبقات الأعلى للتنقل.
وانتشرت بعد ذلك في شوارع المحروسة عربات كبيرة داخلها صفان متقابلان من المقاعد تجرها البغال والخيول لنقل الركاب بين الحواري والأزقة الضيقة، واصطلح الناس على تسميتها “سوارس” نسبة إلى أصحابها.
ودخل عام 1896 الترام مصر، تلك العربات الغريبة التي تسير من غير وقود ولا تجرها الدواب، الأمر الذي جعل الناس يخافون هذا الشيء الجديد الذي يتجول خاليا في العتبة بلا ركاب.
وكانت عندما يتحرك الترام في الميدان يستعيذ المارة بالله من هذا العفريت ويطلبون منه أن يرحمهم، وبذلت الحكومة مجهودات عظيمة لتثبت للمصريين أن الترام يسير بالكهرباء، وأنها أسرع وأفضل وأكثر نظافة من الحمار الذين اعتادوا ركوبه.
“العفريت يصل المحروسة”، و”العفريت يسابق الريح”، بهذه العناوين عبرت الصحف عن انبهار ودهشة المصريين برؤية الترام الكهربائي (التروماي كما يسميه المصريون) يسير للمرة الأولى في شوارع القاهرة في أول أغسطس 1896 في رحلة تجريبية من بولاق للقلعة.
وفي، 12 من أغسطس، أقيم الاحتفال الرسمي لتسيير الترام، فيما روج أصحاب الحمير الشائعات بأن الترام يصيب ركابه من النساء بالعقم، واستمرت الشائعة وقتا طويلا.
وأصبح الترام وسيلة تنقل مهمة، يسير في ثمانية خطوط يبدأ معظمها من ميدان العتبة الخضراء (وفق الامتياز الذي حصل عليه البارون إمبان في ديسمبر 1894).
وظل ترام القاهرة يعمل لعقود حتى بدأ تقليص خطوطه منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، وانتهى عمله بشكل شبه كامل خلال السنوات الأخيرة.