ضباب كورونا وأمطار سد النهضة
ابراهيم سلطان الفردى
فى غمار القلق من وباء كورونا والعزلة الاختيارية التى فرضتها علينا ظروف ذلك الوباء غير المسبوق فى تأثيره المتوحش ونتائجه الغامضة فى أسبابه وتطوراته، فى غمار ذلك كله يعتادنى بين حين وآخر شعور بالقلق تجاه أزمة المياه المحتملة فى العالم كله والصراع على الأنهار من المنبع إلى المصب حتى أصل إلى أزمة سد النهضة مع شعورى بأن أشقاءنا فى إثيوبيا يدبرون أمرًا ويضمرون شرًا ويتخذون العدة لملء السد فى أقرب فرصة منتهزين حالة الانشغال الدولى بكارثة كورونا، حتى إن قيادات العالم كله بغير استثناء لا تتحدث إلا فى موضوع يتصل بذلك الداء الخطير وكيفية مواجهته والقضاء عليه للحد من تأثيراته السلبية على الجنس البشرى كله، وهنا أتساءل: ألا يشعر الأشقاء والأصدقاء بمخاطر العبث بالمياه التى تجرى فى واديها الخصيب من المنبع إلى المصب منذ آلاف السنين؟ وهل اختار الإنسان بإرادته أن يصنع مشكلات تضر غيره وسوف تنعكس عليه هو الآخر بالضرورة ذات يوم؟ هل غفل الجميع عن المخاطر المشتركة التى تواجه الإنسانية جمعاء وتضرب الكبير والصغير وتغلف الدنيا بغلالة من الغموض وتهدد المستقبل فى كل مكان؟ إننى أريد أن أسجل هنا هوامش على دفتر سد النهضة فى عصر الكورونا ومنها:أولًا: يجب أن ندرك أن هناك محاولات تشارك فيها قوى كبرى معلنة أو خفية تسعى للحد من الحجم المتزايد لتعداد الجنس البشرى وذلك بافتعال الحروب ودعم الإرهاب وإشعال الحرائق فى الغابات والسعى نحو مرحلة الشح المائى حتى لا تزدهر الحياة ولا تخضر الأرض وحتى يعطش الإنسان والحيوان، إنها رؤية خبيثة أشار إليها خبراء علوم السكان بدءًا من (مالتس) و(دوركايم) حتى يومنا هذا خصوصًا أن الانفجار السكانى فى العالم قد خلق بؤرًا من زحام البشر وصدام المصالح والمخاوف المتبادلة بين الدول، لهذا فإننى أرى أن وباء كورونا يلتقى مع سد النهضة ضمن مجموعة المشكلات والأزمات مع اختلاف نوعيتها وتعدد درجاتها إلا أنها تستهدف جميعًا الجنس البشرى كله ولقد أبرزت مأساة كورونا الأخيرة درجة الجفاء الإنسانى والتقاعس عن دعم الآخر، ويكفى أن نتذكر أن دولًا أوروبية استنجدت بشقيقاتها ولم تجد ذلك الصدى الذى كانت تتوقعه، إننا أمام بروفة ليوم الحشر يوم لا يسأل الابن عن أبيه ولا يهتم الأخ بأخيه، فالصراع أمام الموت مخيف وجائر وتجوز فيه كل الاحتمالات.ثانيًا: يجب أن نعترف ويعترف معنا أشقاؤنا فى إثيوبيا وغيرها أن العالم يتغير وأن الدنيا تتحول وأننا على مشارف عالم جديد يولد من رحم كارثة كورونا بما جسدته من مخاوف تعلو على الجيوش الكبيرة وأسلحة الدمار الشامل لأنها تستهدف الإنسان فى خصوصية وجوده وتفتك بالبشر دون أن يراها، لقد أصبح أعداؤنا ليسوا هم أولئك الذين نعرف بل هم أولئك الذين لا نعرف حتى إن العلم وأبحاثه – وهو الذى خدم البشرية ونقلها نقلات كبرى – أصبح الآن من الممكن استخدامه كمعول للهدم وسبب للفناء، فالإنسان وهو خليفة الله فى الأرض يعبث بها وفيها على نحو قد يدمرها.ثالثًا: إن سد النهضة كان ولا يزال يجسد قدرًا كبيرًا من سوء النية، فنحن كما قال رئيسنا فى برلمان (أديس أبابا) نريد التنمية لدولة إفريقية شقيقة هى إثيوبيا ولكننا نحتفظ أيضًا بحقنا فى حصة مصر من مياه النهر الخالد ولن تستقيم الأمور بأن يجور أحدنا على الآخر لأن الدنيا ليست غابة مفتوحة ولكنها يمكن أن تكون حديقة متاحة للجميع، فلنفكر فى الحياة بدلًا من الموت، ونسعى نحو وفرة المياه بدلًا من العداء وقرع طبول الحرب بين الأشقاء.هذه خواطر مصرى يؤمن بعالمية الانتماء وإنسانية التكوين وحق الغير فى الحياة وضرورة دعم الآخر لكى يعيش، ولكنها أيضًا خواطر ممزوجة بالقلق من دهاء صامت أو خبث مستتر تربأ الكنانة بنفسها عنه وتدعو إلى تجاوزه لأنها تؤمن عبر تاريخها الحضارى الطويل بالتعايش المشترك، والمنفعة المتبادلة، والشراكة فى الأنهار وهى نتاج الطبيعة منذ عصور سحيقة وليست صناعة بشرية مهما تقدم الإنسان وتوهم أن لديه القدرة فى أن يخرق الأرض وأن يبلغ الجبال طولًا.