سرقة جهود الآخرين
قد يبدو هذا العنوان غريبا ولكنه في الواقع حقيقة لا يمكن نكرانها أو التنصل منها وإذا ارتبطت السرقة بالأشياء المادية فهذا لا يعني اقتصارها على هذه الأشياء المادية إذ تمتد إلى الأشياء المعنوية والأدبية مثل (تجيير) جهود الآخرين لذات بعيدة عن هذه الجهود والذين يسرقون جهود الآخرين يشكلون فئة حرمت من القدرة على العطاء فاستغلت وضعها الوظيفي أو الاجتماعي لتسطو على جهود غيرها من المجتهدين وتنسبها إلى نفسها دون وجه حق وهي ظاهرة توجد في كل المجتمعات لكنها في الدول المتأخرة والفقيرة أكثر انتشارا حيث تختفي الأنظمة والقوانين التي تحمي الحقوق الخاصة وحيث تنعدم أخلاقيات التعامل مع المبدعين الذين لا يلتفت إليهم أحد، لوجود حواجز وسدود تمنع وصولهم إلى حقوقهم الأدبية وقد يمنعهم الفقر عن اجتياز خطوط الرغبة في إثبات الحق الشرعي عندما يتم إغراؤهم بالمال وهم بأمس الحاجة إليه
فبيع القصائد على سبيل المثال هو خير دليل في هذا المجال مع أن البيع ليس سرقة ولكن هذا المثل يدل على ضعف النفس البشرية أمام الإغراءات المادية وأن تبيع إنتاجك الإبداعي أو الفكري شيءٌ وأن يسطو عليه أحدهم شيءٌ آخر فالبيع اختياري وإن كان تحت ضغط الحاجة أما السرقة فهي اغتصاب علني واعتداء مع سبق الإصرار والترصد كما يعبر المحامون بلغتهم الحقوقية المعروفة وفي الحالتين النتيجة واحدة وهي انتساب الجهد لغير أهله
ثمة عوامل نفسية وأخلاقية وتربوية وراء سرقة جهود الآخرين، وهي عوامل منفردة أو مجتمعة تعزل العقل عن إدراك فداحة هذا التصرف وتغيّب الوعي عن فهم نتائجه بما في هذه النتائج من هضم لحقوق الآخرين وتسويغ الخطيئة للنفس الأمارة بالسوء وما أبشعه من سوء أن تدعي ما ليس لك فيه حق، ليصبح من نصيبك ظلما وعدوانا
جهود الآخرين لا تقتصر على لون معين من هذه الجهود، بل تشمل كل جهد قد يبذله الإنسان ثم يفاجأ بأن أحدهم ادعى كذبا أنه صاحب هذا الجهد والساعي لإنجازه مع أن ذلك الـ (أحدهم) غير مؤهل أصلا لهذه المهمة وكم مدير نسب لنفسه جهد موظفيه وكم رئيس ادعى أن ما تقدمه إدارته من مقترحات هي من بنات أفكاره وكم مسئول حذف اسم صاحب مشروع تنموي هام ووضع اسمه بدلا عنه وكم موظف ادعى أمام رئيسه أنه كل شيء في إدارته وأنه الوحيد الذي يعمل بجد بينما غيره لا يعمل ولا ينجز ولا يهتم بعمله ولا يحرص عليه لينعم بالحظوة عند رئيسه وما يمكن أن تجلبه هذه الحظوة من امتيازات لا تتوفر لغيره
أما في المجال الفكري فكلنا نعرف ما يسمى بالسرقات الأدبية وهي سرقات لا تخفى على أحد لأنها سهلة الاكتشاف من خلال المقارنة بين النسخة الأصلية والنسخة المزيفة والصحف لا تزال تفاجئنا بين حين وآخر بمثل هذه السرقات ومن العيار الثقيل ومع ذلك فإن من تعود هذا النوع من السرقة يعود إليها حتى بعد اكتشافه ومحاكمته وإدانته لأنه استمرأ هذا السطو على جهود غيره بعد ان ذاق حلاوة العائد المادي من هذا السلوك المعيب وهو عائد مادي لا علاقة له بالربح الحلال وهو معيب أكثر إذا كان السارق من العارفين بحد السرقة والناصحين بالابتعاد عنها والمنافحين عن الصدق والأمانة والاستقامة والسلوك السوي والأدهى والأمر أن تطفو هذه الظاهرة حتى في الرسائل الجامعية وما أكثر ما اكتشف منها فأطاحت بأكاديميين يفترض أن يكونوا قدوة حسنة وليس قدوة سيئة لطلابهم وطالباتهم وغير بعيد عن هذا الأمر
أصحاب الشهادات المزيفة ثمة عوامل نفسية وأخلاقية وتربوية وراء سرقة جهود الآخرين وهي عوامل منفردة أو مجتمعة تعزل العقل عن إدراك فداحة هذا التصرف وتغيّب الوعي عن فهم نتائجه بما في هذه النتائج من هضم لحقوق الآخرين وتسويغ الخطيئة للنفس الأمارة بالسوء وما أبشعه من سوء أن تدعي ما ليس لك فيه حق ليصبح من نصيبك ظلما وعدوانا حين تقطف ثمارا لا حق لك فيها وتحرم أصحاب الحق من حقوقهم المشروعة