الشدة المستنصرية.. عندما أكل المصريون بعضهم بعضا
كتبت _ رضوى النبراوي
استطرد مسلسل الحشاشين لواحدة من أبشع و أشهر المجاعات التي مرت بمصر منذ أيام سيدنا يوسف عليه السلام ، ألا و هي الشدة المستنصرية و المعروفة بالشدة العظمى.
حدثت تلك المجاعة إبان حكم الخليفة الخامس للدولة الفاطمية بمصر المستنصر_بالله ، و فيها حدث انخفاض لمنسوبي مياه النيل فتصحرت الأراضي الزراعية و أصبحت اراضي بور ، ماتت الحيوانات ، من شدة الجوع ، امتدت من عام١٠٦٤ ل١٠٧١ ميلاديا لمدة ٧ سنوات كاملة . عمت الفوضى و البشاعة لدرجة ان الناس أكلوا بعضهم بعضا ، و الكلب يباع ب٥ دنانير للأكل و القط يباع ب٣ دينار للأكل ، و يذكر أيضا حارة أبو طبق بمنطقة الفسطاط قام جميع سكانها ببيع بيوتهم للحصول على طبق واحد فقط من الخُبز ، فاشتهرت باسم حارة أبو طبق.
وصل الحال لجوع الخليفة المستنصر بالله نفسه بسبب الازمة ، بل تم اختطاف بغل الخليفة الوحيد لديه من قبل الناس وأكله.
وكان يموت كل يوم على الأقل ألف شخص، ثم أرتفع العدد إلى عشرة آلاف وفي يوم مات ثماني عشرة ألفاُ. حتى عاد فيضان النيل بأمر الله لمستواه الطبيعي و عاد الرخاء من جديد للمصريين.
لم يكن أمام الخليفة للخروج من هذه الأزمة الشنيعة سوى الاستعانة بقوة عسكرية قادرة على فرض النظام، وإعادة الهدوء والاستقرار إلى الدولة التي مزقتها الفتن وثورات الجند، وإنهاء حالة الفوضى التي عمت البلاد، فأمر #بدر_الدين_الجمالي والي عكا، وطلب منه القدوم لإصلاح حال البلاد، واشترط عليه أن لا يأتي إلا ومعه رجاله، ومن يختاره من عسكر الشام.
وبدر الدين الجمالي كان مملوكًا أرمينيًا للأمير جمال الدولة بن عمار، ثم أخذ يترقي في المناصب لما أظهره من كفاية في الحروب.
وما إن حل بدر الدين الجمالي بمدينة القاهرة حتى قضى على قادة الفتنة ودعاة الثورة، وبدأ في إعادة النظام إلى القاهرة وفرض الأمن والسكينة في ربوعها، وامتدت يده إلى بقية أقاليم مصر فأعاد إليها الهدوء والاستقرار، وضرب على يد العابثين والخارجين، وبسط نفوذ الخليفة في جميع أرجاء البلاد.
وفي الوقت نفسه عمل على تنظيم شئون الدولة وإنعاش اقتصادها، فشجع الفلاحين على الزراعة برفع جميع الأعباء المالية عنهم، وأصلح لهم الترع والجسور، وأدى انتظام النظام الزراعي إلى كثرة الحبوب، وتراجع الأسعار، وكان لاستتباب الأمن دور في تنشيط حركة التجارة في مصر، وتوافد التجار عليها من كل مكان.
واتجه بدر الجمالي إلى تعمير القاهرة وإصلاح ما تهدم منها، فأعاد بناء أسوار القاهرة وبنى بها ثلاثة أبواب تعد من أروع آثار الفاطميين الباقية حتى الآن وهي: باب الفتوح وباب النصر وباب زويلة، وشيد مساجد كثيرة فبنى في القاهرة مسجده المعروف بمسجد الجيوش على قمة جبل المقطم، وبنى جامع العطارين بالإسكندرية.
وأصبحت الأمور كلها في قبضة بدر الدين الجمالي القوي، الذي بدأ عصرا جديدا في تاريخ الدولة الفاطمية في مصر.
و سميت منطقة الجمالية بهذا الاسم تخليداً له لما قدمه للمصريين إبان المجاعة يدور بعض المؤرخون انه أثناء مرور الحسن_بن_الهيثم بمصر اقترح على الخليفة المستنصر ببناء سد جنوب مصر لحفظ مياه الفيضان و لكن الخليفة رفض الاقتراح.