اخبار محليةحقوق انسان

ابراهيم سلطان الفردى السياسات والقرارات والتوجهات العشوائية

السياسات والقرارات والتوجهات العشوائية التى سادت فى معظم العقود الماضية، خصوصا خلال حكم الثلاثين عاما للرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك دفعنا ثمنها باهظا وسوف نستمر فى دفعه لسنوات طويلة.سوف أختار مثالا واحدا وهو العشوائية فى مجال البناء والإسكان والطرق، وما ذكرنى بهذا الموضوع المؤلم هو ما سمعته صباحا قبل أكثر من أسبوعين فى حفل افتتاح بعض المشروعات الإسكانية فى مدينة بدر بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى.الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء وخلال كلمته قال إن الدولة خصصت وأنفقت فى السنوات السبع الماضية أكثر من ٤٢٥ مليار جنيه لتغيير وجه مصر فى المناطق العشوائية غير الآدمية المنتشرة فى كل محافظات مصر خصوصا القاهرة.التقديرات الرسمية تقول إن أكثر من ٥٠٪ من المبانى فى مصر عشوائية أو غير مخططة، حتى لو كانت مبنية على أحدث طراز، وسبق للدكتور مدبولى قبل شهور أن عرض صورا حية لمناطق عشوائية فى القليوبية أثناء أزمة قانون تعديات البناء. غالبية هذه المناطق ضيقة جدا وغير صحية، ومتلاصقة ويصعب على أجهزة الدفاع المدنى الوصول إليها فى حالة نشوب حرائق لا قدر الله.الحكومة تستطيع أن تعالج بعض آثار المناطق الخطرة وغير الآدمية، حيث أنهت بالكامل معالجة ٥٤ منطقة غير آدمية بها ٧٠ ألف وحدة بإسكان بديل منذ عام ٢٠١٧، والمتبقى بالقاهرة ١٥ منطقة، كما تم الانتهاء من ٥ مناطق تخدم ٤٥٠ ألف أسرة، وجار العمل فى ١٢٥ ألف وحدة كإسكان بديل لنقل المواطنين الذين يعيشون فى هذه المناطق الخطرة.الدكتور مدبولى قال إن تكلفة تطوير المناطق العشوائية غير المخططة وتطوير القاهرة التاريخية قد تتكلف ٦٠٠ مليار جنيه، فى نحو ٣٥٧ منقطة غير آدمية وعشوائية.مرة أخرى هذه المبالغ الضخمة لإصلاح وتطوير المناطق غير الآمنة التى تمثل خطرا على ساكنيها، لكن إصلاح كل مناطق العشوائيات وتحويلها إلى مساكن ومبانٍ وأحياء طبيعية يبدو مستحيلا تماما، لأنه يحتاج ربما إلى تريلونات، خصوصا أن أكثر من نصف مساكن مصر مبنى بصورة عشوائية.هل توقفنا وسألنا أنفسنا سؤلا بسيطا وهو: من الذى أوصلنا إلى هذه الحالة وكيف وصلنا إليها، والسؤال الأهم: هل السياسات الراهنة فى الإسكان والمحليات تمنع تجدد وتمدد هذه الظاهرة؟ظنى أنه لا يمكن لوم المخالفين من المواطنين فقط، بل اللوم الأكبر ينبغى أن يوجه لمن سمح لهم بالمخالفات، لأى سبب سواء للترضية أو للرشاوى، وظنى أيضا أن العشوائية فى المبانى تحولت إلى «أسلوب» حياة فى الأحياء والأجهزة الإسكانية طوال عهد مبارك، وما تزال جذورها حاضرة حتى الآن، رغم كل الجهود الحكومية لمقاومتها، والدليل هو العدد الكبير من رؤساء الأحياء ومهندسيها الموجودين داخل السجون فى الفترة الماضية.ما أريد التركيز عليه هو أن القرار العشوائى الذى يتخذه أى مسئول قد يستفيد منه بحصوله على منفعة أو رشوة أو حتى كلمة شكر، وبالطبع سوف يستفيد صاحب المصلحة بعدم التقيد بالاشتراطات الصحيحة للبناء، والتهرب من أداء حقوق الدولة من رسوم.لكن الثمن الأكبر يتحمله المجتمع بأكمله خصوصا أجياله القادمة، لأن أطراف الفساد فى الماضى استمتعوا بفسادهم، لكن المجتمع سوف يظل يدفع الثمن الأكبر لسنوات وربما لعقود طويلة، لأنه يصعب مثلا إزالة كل هذا الحجم من البناء العشوائى وغير المهم، لأنه سيحتاج إلى تريلونات الدولارات وليس الجنيهات.الهدف الأساسى من الكتابة فى هذا الموضوع اليوم، ليس إثارة موضوع قديم، ولكن ضمان عدم تكراره، وأن نكون متأكدين من أن كل الثغرات، أو على الأقل معظمها، قد تم إزالتها والقضاء عليها.أعلم يقينا أن اشتراطات البناء الجديدة، تحاول سد العديد من الثغرات التى كانت موجودة، فيما يتعلق بالبناء، لكن الخطر الحقيقى ليس فقط، فى ثغرات القانون، لكن فى بعض الضمائر، التى فسدت، وتعتقد أن الفساد والإفساد صار جزءا عاديا من الحياة.أتمنى أن تضرب الدولة بيد من حديد على كل من تسول له نفسه الاستمرار فى السلوك والتصرفات العشوائية، ليس فقط فى مجال البناء والإسكان، ولكن فى كل المجالات، من أول التكاتك ونهاية بقرارات بعض الهيئات والوزارات والمؤسسات.

مقالات ذات صلة