تاريخ

فانوس رمضان.. تاريخ يبدأ من العصر الفاطمي لوقتنا الحالي

كتب_زينب غازي

بدأت صناعة الفوانيس في العصر الفاطمي بمصر، حيث كان هناك مجموعة من الحرفيين يصنعون الفوانيس ويخزنونها حتى حلول شهر رمضان.

يعد فانوس رمضان من أشهر هذه الطقوس، التي لم تندثر فما زالت العائلات تحرص على اقتنائه لتزيين المنازل والشوارع والمتاجر، كما أنه يمنح الأطفال بهجة خاصة للشهر الكريم.

ونجد الفانوس كان في الأصل مصباحا، استخدمه الناس كوسيلة للإنارة خاصة عند الذهاب إلى المساجد ليلا، وبمرور الوقت تحول إلى تقليد رمضاني.

وترجع فكرة الفانوس إلى عصر الدولة الفاطمية في مصر، وانتقلت بعد ذلك وانتشرت في جميع الدول العربية، ثم إلى جميع دول العالم.

بدأت قصة الفانوس منذ ما يزيد على ألف عام، عندما كان القاهريون يتوقعون وصول الخليفة الفاطمي المعز لدين الله ليلا في الخامس من رمضان عام 358 هجرية، حيث أمر القائد العسكري جوهر الصقلي ونائب الملك في ذلك الوقت سكان المدينة بإضاءة الطريق بالشموع، فوضع سكان القاهرة الشموع على قواعد خشبية وغطوها بالجلود، لتجنب انطفائها، ومن هنا كانت بداية ظهور الفانوس كطقس رمضاني.

ويحكى أيضا أن أسر وعائلات القاهرة اعتادت مرافقة الخليفة الفاطمي في رحلته عبر المدينة، مرورا ببوابات القاهرة القديمة، باب النصر وباب الفتوح في طريقه إلى المقطم لاستطلاع هلال رمضان.

ويحمل الجميع كبارا وصغارا فانوسا لإضاءة الطريق وهم يغنون احتفالا بقدوم الشهر الكريم. وتقول رواية أخرى إن الخليفة الفاطمي المعز لدين الله أراد إضاءة المساجد طوال شهر رمضان بالفوانيس والشموع، فأمر بتعليق فانوس على باب كل مسجد.

من الحكايات المدونة عن تاريخ ظهور الفانوس، يقال أن الخليفة الحاكم بأمر الله في القرن العاشر الميلادي، حرم خروج النساء من منازلهن طوال العام، باستثناء شهر رمضان. واستعملت الفوانيس من قبل غلام يقود النساء في طريقهن إلى المساجد، حتى يلاحظ المارة وجودهن في الطريق ويوسعوا لهن المجال للمرور.

وأصدر الخليفة الحاكم بأمر الله أمرا بتركيب فوانيس في كل زقاق وأمام كل منزل، وتغريم كل من يعصي الأمر، لذلك ازدهرت صناعة الفوانيس في القاهرة.

يذكر المقريزي في كتابه “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار” أن الفانوس كان يوجد في مصر من قبل دخول الإسلام، وذلك منذ احتفالات أقباط مصر بعيد الميلاد، حيث يقول “وأدركنا الميلاد بالقاهرة ومصر وكان موسما جليلا، تباع فيه الشموع المزهرة بالأصباغ المليحة والتماثيل البديعة بأموال لا تنحصر، فلا يبقى أحد من الناس أعلاهم وأدناهم حتى يشتري منهم لأولاده وأهله. وكانوا يسمونها الفوانيس ويعلقونها في الأسواق والحوانيت، ويتنافس الناس في المغالاة في أسعارها”.

صنعت الفوانيس في بداية الأمر من الصفيح الرخيص، ثم تطورت وأصبحت فنا حرفيا، وأصبح الفانوس يزين بالنقوش والزخارف اليدوية، وصنع من النحاس والزجاج الملون، مع قاعدة خشبية توضع فيها الشمعة. مع الوقت تطور شكل الفانوس واستخدم الزجاج المصقول مع فتحات مختلفة تغير شكل الإضاءة. وتغيرت بعد ذلك أحجام الفوانيس، وأصبحت تضاء بالفتيل والزيت بدلا من الشموع.

حدث ذلك التطور في صناعة الفانوس بسبب أهمية الاحتفالات والأعياد في العصر الفاطمي، والتي كانت ذات أهمية ملحوظة بالنسبة للمصريين، وقد تحول الفانوس من أداة إنارة للمنازل والمساجد والمتاجر إلى عنصر زخرفي واحتفالي ارتبط بشهر رمضان الكريم، خاصة عندما استخدمه المسحراتي ليلا أثناء مناداته للسحور.

وتسرب الفانوس المصري إلى الدول الأخرى مثل دمشق وحلب والقدس وغزة وغيرها، بعد ذلك أصبح هناك اسم لكل فانوس، منها فانوس تاج الملك وفانوس الملك فاروق وفانوس البرلمان الذي يشبه القبة الشهيرة للبرلمان المصري.

على الرغم من أن الفانوس يظهر في موسم رمضان فقط، بعدما توارت وظيفته الأصلية في الإضاءة وأصبح طقسا رمضانيا خالصا في عصرنا الحديث، إلا أن العمل في الفانوس يبقى مستمرا طوال العام، حيث يفكر المبتكرون والمصممون في أفكار جديدة وعصرية للفانوس، خاصة بعد أن انتشرت صناعته ووصلت إلى الصين. لكن تبقى القاهرة هي موطن الفانوس الأصلي، وما زالت تواصل دورها المحوري في صناعته.

وتعتبر منطقة “تحت الربع” بالقرب من الأزهر الشريف هي المكان الأشهر والأكبر في صناعة الفانوس التقليدي التاريخي، ويوجد بها أكبر ورش صناعة الفوانيس التي انتقلت من جيل لآخر.

ويشعر زائر هذه المنطقة أنه انتقل بالزمن إلى العصر الفاطمي القديم خاصة في المساء عندما تضاء الفوانيس بإضاءات ملونة تشبه النجوم في ظلام السماء.

زينب غازي

صحفية بجريدة بوابة مصر الإخبارية

مقالات ذات صلة